(وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ بِصَفْقَةٍ كُلًّا بِخَمْسَةٍ كُرِهَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ بِلَا بَيَانٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ مَعَ ثَوْبٍ آخَرَ لِأَنَّ الْجَيِّدَ قَدْ يُضَمُّ إلَى الرَّدِيءِ لِتَرْوِيجِهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا يُكْرَهُ، قَيَّدَ بِثَوْبَيْنِ لِأَنَّ الْمُشْتَرَى لَوْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِصَفْقَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَا بِصَفْقَتَيْنِ يَجُوزُ أَيْضًا اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَ بِكُلًّا بِخَمْسَةٍ إذْ لَوْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِخَمْسَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِالزَّائِدِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَقَيْدُ (الْمُرَابَحَةِ) لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ التَّوْلِيَةِ لِأَنَّهَا فِي الْحُكْمِ كَذَلِكَ بَلْ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مُطْلَقًا لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا.
(وَمَنْ وَلَّى) أَيْ بَاعَ شَيْئًا بِالتَّوْلِيَةِ (بِمَا قَامَ عَلَيْهِ) أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ (وَلَمْ يَعْلَمْ مُشْتَرِيه قَدْرَهُ) بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ (فَسَدَ) الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ وَكَذَا الْمُرَابَحَةُ.
(وَإِنْ عَلِمَهُ) أَيْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي قَدْرَهُ (فِي الْمَجْلِسِ خُيِّرَ) بَيْنَ أَخْذِهِ وَتَرْكِهِ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَتَقَرَّرْ فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ يَتَقَرَّرُ الْفَسَادُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ لَا رَدَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُفْتَى بِالرَّدِّ إنْ غَرَّهُ وَإِلَّا لَا وَتَصَرُّفُهُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْهُ.
[فَصَلِّ فِي بَيَان الْبَيْع قَبْل قبض الْمَبِيع]
فَصَلِّ بَيَانِ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَجْهُ إيرَادِ الْفَصْلِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمُرَابَحَةِ وَوَجْهُ ذِكْرِهِ فِي بَابِهَا لِلِاسْتِطْرَادِ بِاعْتِبَارِ تَقْيِيدِهَا بِقَيْدٍ زَائِدٍ عَلَى الْبَيْعِ الْمُجَرَّدِ (لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ) «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ بِخِلَافِ هِبَتِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِهِ وَإِقْرَاضِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا كِتَابَةُ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَوْقُوفَةٌ، وَلِلْبَائِعِ حَبْسُهُ بِالثَّمَنِ وَإِنْ نَقَدَهُ نَفَذَتْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهَا بَلْ كُلُّ عَقْدٍ تَقَبَّلَ النَّقْضَ فَهُوَ مَوْقُوفٌ، وَأَمَّا تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَجَائِزٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَزْوِيجِ الْآبِقِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَصَحِيحَةٌ اتِّفَاقًا. وَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ شَامِلٌ لِلْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَقُيِّدَ بِالْمَنْقُولِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَهْرًا أَوْ مِيرَاثًا أَوْ بَدَلَ الْخُلْعِ أَوْ الْعِتْقِ عَنْ مَالٍ أَوْ بَدَلَ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْأَصْلُ أَنَّ عِوَضَ مِلْكٍ بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ وَمَا لَا فَجَائِزٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَيَصِحُّ فِي الْعَقَارِ) أَيْ يَصِحُّ بَيْعُ عَقَارٍ لَا يُخْشَى هَلَاكُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَاعْتِبَارًا بِالْمَنْقُولِ وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ عَنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ وَلَا غَرَرَ فِيهِ لِأَنَّ الْهَلَاكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute