للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ وَلَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا انْتَهَى.

وَفِي الْمِنَحِ وَالْمُرْتَدَّةُ فِي الْوَصِيَّةِ كَذِمِّيَّةٍ فَتَصِحُّ وَصَايَاهَا.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ فِي الزِّيَادَاتِ عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهَا وَصِيَّةٌ، قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ هُنَا الْأَصَحُّ وَهُمَا يَصْدُقَانِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الذِّمِّيَّةِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا، وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقَرُّ عَلَى اعْتِقَادِهَا، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ كَالذِّمِّيَّةِ فَتَجُوزَ وَصِيَّتُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهَا فَكَذَا الْوَصِيَّةُ وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ إنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ فَحُكْمُ وَصَايَاهُ حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فَمَا صَحَّ مِنْهُمْ صَحَّ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ فَوَصِيَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ وَوَصَايَا الْمُرْتَدَّةِ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا انْتَهَى فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمِنَحِ أَنَّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى كَوْنِ وَصِيَّتِهَا نَافِذَةً مَحَلُّ نَظَرٍ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَوَصِيَّةُ الذِّمِّيِّ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا تَصِحُّ لِوَارِثِهِ) لِالْتِزَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُنَا كَمَا فِي وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ (وَتَجُوزُ) وَصِيَّتُهُ (لِذِمِّيٍّ مِنْ غَيْرِ مِلَّتِهِ) كَوَصِيَّةِ نَصْرَانِيٍّ لِيَهُودِيٍّ وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ (لَا) تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ (لِحَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الدَّارَيْنِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ كَمَا تَقَدَّمَ.

[بَاب الْوَصِيّ]

ّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُوصَى لَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُوصَى إلَيْهِ وَهُوَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْوَصَايَا يَنْتَظِمُهُ أَيْضًا، قَدَّمَ أَحْكَامَ الْمُوصَى لَهُ لِكَثْرَتِهَا وَكَوْنِ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهَا أَمَسَّ (وَمَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ فِي وَجْهِهِ وَرَدَّ) الْوَصِيَّةَ (فِي غَيْبَتِهِ لَا يَرْتَدُّ) ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ فَلَوْ صَحَّ رَدُّهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَلَا اعْتِبَارَ لِرَدِّهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَيَبْقَى وَصِيًّا كَمَا كَانَ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْمُوصَى إلَيْهِ فِي أَنَّ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ وَبَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي يُعْتَبَرُ دُونَ رَدِّ الْمُوصَى إلَيْهِ، قُلْنَا إنَّ نَفْعَ الْوَصِيَّةِ لِلْمُوصَى لَهُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُوصَى إلَيْهِ فَإِنَّ نَفْعَ الْوَصِيَّةِ رَاجِعٌ إلَى الْمُوصِي فَكَانَ فِي رَدِّهِ بِغَيْرِهِ إضْرَارٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَلِهَذَا قُلْنَا لَا يُعْتَبَرُ رَدُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُوصِي.

(وَإِنْ رَدَّ فِي وَجْهِهِ) أَيْ وَجْهِ الْمُوصِي (يَرْتَدُّ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ التَّصَرُّفَ، وَلَا غُرُورَ فِيهِ فَتُوَقِّفَ عَلَى قَبُولِهِ (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ) الْمُوصَى إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>