لَا يُحْصُونَ لَا تَصِحُّ تَمْلِيكًا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا قُرْبَةً؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَثَانِيهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ قُرْبَةً عِنْدَنَا كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ مَسْجِدًا أَوْ يُسْرِجَ فِي الْمَسَاجِدَ أَوْ أَوْصَى بِالْحَجِّ فَهِيَ بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ لِأَنَّا نُعَامِلُهُمْ بِدِيَانَتِهِمْ.
وَثَالِثُهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ قُرْبَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ لِعِتْقِ الرِّقَابِ، أَوْ يُسْرِجَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ إجْمَاعًا لِاتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ قُرْبَةً وَرَابِعُهَا أَنْ يُوصِيَ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا كَمَا لَوْ أَوْصَى أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ يُسْرَجُ فِيهِ، أَوْ تُذْبَحُ الْخَنَازِيرُ وَيُطْعَمُ الْمُشْرِكُونَ فَهِيَ صَحِيحَةٌ أَيْضًا عِنْدَ الْإِمَامِ، سَمَّى قَوْمًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ، وَقَالَا هِيَ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ.
لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ بِمَعْصِيَةٍ وَفِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرُ الْمَعْصِيَةِ، وَالسَّبِيلُ فِي الْمَعَاصِي رَدُّهَا لَا قَبُولُهَا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ.
وَلَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ دِيَانَتُهُمْ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ، وَهِيَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَتَصِحُّ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً عِنْدَنَا مَعْصِيَةٌ عِنْدَهُمْ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِدِيَانَتِهِمْ فَكَذَا عَكْسُهُ.
(وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ مُسْتَأْمَنٍ لَا وَارِثَ لَهُ فِي دَارِنَا بِكُلِّ مَالِهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّ الْقَصْرَ عَلَى الثُّلُثِ شَرْعًا لِحَقِّ الْوَرَثَةِ حَتَّى تَنْفُذَ بِإِجَازَتِهِمْ وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ، وَالْحَجْرُ بِنَاءً عَلَى حَقٍّ مَعْصُومٍ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْحَجْرِ لِحَقٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ، إذْ حُقُوقُ أَهْلِ الْحَرْبِ غَيْرُ مَعْصُومَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ أَوْ بِذِمَّةٍ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِحُرْمَتِهِمْ.
(وَإِنْ أَوْصَى) أَيْ الْمُسْتَأْمَنُ (بِبَعْضِهِ) أَيْ بِبَعْضِ مَالِهِ ثُمَّ مَاتَ (رُدَّ الْبَاقِي) مِنْ مَالِهِ (إلَى وَرَثَتِهِ) الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ أَيْضًا لَا رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَرَثَةِ حَتَّى يُرَدَّ أَنْ يُقَالَ كَيْفَ يُرَدُّ الْبَاقِي إلَى وَرَثَتِهِ الَّذِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ قُلْتُمْ بِأَنَّهُمْ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ حَقٌّ مَرْعِيٌّ.
(وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْمَنِ (مَا دَامَ فِي دَارِنَا) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ (مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِنَا فَلَهُ حُكْمُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْهُ عُقُودُ التَّمْلِيكَاتِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَيَصِحُّ تَبَرُّعُهُ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ وَعَنْ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الرُّجُوعَ وَيُمْكِنُ مِنْهُ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ (وَصَاحِبِ الْهَوَى) وَهُوَ الَّذِي يَتْبَعُ هَوَى نَفْسِهِ مَيْلًا لِلْبِدْعَةِ (إنْ لَمْ يَكْفُرْ بِهَوَاهُ) أَيْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ بِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْهَوَى (فَهُوَ كَالْمُسْلِمِ فِي الْوَصِيَّةِ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ (وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ بِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْهَوَى.
(فَكَالْمُرْتَدِّ) فَيَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ قَالَ فِي الْكَافِي وَوَصَايَا الْمُرْتَدِّ نَافِذَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَالذِّمِّيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute