(خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) أَيْ لَمْ يُجَوِّزْهُ بِلَا نَقْعٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] وَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ.
(وَخَصَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ) قِيلَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ الْخَالِصِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (وَيَجُوزُ بِالنَّقْعِ حَالَ الِاخْتِيَارِ) حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ بِغُبَارِ ثَوْبِهِ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَارْتَفَعَ الْغُبَارُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ فَمَسَحَهُ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْغُبَارَ جُزْءٌ مِنْ التُّرَابِ فَكَمَا جَازَ التَّيَمُّمُ بِالْخَشِنِ مِنْهُ جَازَ بِالرَّقِيقِ مِنْهُ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتُرَابٍ خَالِصٍ لَكِنَّهُ تُرَابٌ مِنْ وَجْهٍ فَجَازَ عِنْدَ الْعَجْزِ دُونَ الْقُدْرَةِ كَالْإِيمَاءِ وَأَمَّا حَالَةَ الْإِضْرَارِ فَيَجُوزُ بِهِ اتِّفَاقًا.
[شَرْطُ التَّيَمُّم]
(وَشَرْطُهُ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حَقِيقَةً) بِأَنْ لَا يَجِدَهُ (أَوْ حُكْمًا) بِأَنْ وَجَدَهُ لَكِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِسَبَبٍ كَمَا بُيِّنَ آنِفًا.
(وَ) شَرْطُهُ (طَهَارَةُ الصَّعِيدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦] وَالصَّعِيدُ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ تُرَابًا وَغَيْرَهُ وَالطَّيِّبُ هُنَاكَ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: ٦] .
(وَالِاسْتِيعَابُ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْوُضُوءِ فِي الْعُضْوَيْنِ الْمَخْصُوصَيْنِ حَتَّى قَالُوا لَوْ لَمْ يُخَلِّلْ الْأَصَابِعَ أَوْ لَمْ يَنْزِعْ الْخَاتَمَ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمُهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ ضَعْفُ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ مَسْحَ أَكْثَرِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ كَافٍ.
(وَالنِّيَّةُ) فَرْضٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ أَضْعَفُ مِنْ الْوُضُوءِ لِانْتِقَاضِهِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فَيَتَقَوَّى بِالنِّيَّةِ خِلَافًا لِزُفَرَ.
(وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ قُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَلَا تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ) كَالصَّلَاةِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَكَذَا لَمْسُ الْمُصْحَفِ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ لَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ قُرْبَةً مَقْصُودَةً لَكِنْ يَحِلُّ لَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ كَذَا فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِمِثْلِ هَذَا التَّيَمُّمِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ هُوَ أَنَّ التُّرَابَ مَا جُعِلَ طَهُورًا إلَّا فِي حَالِ إرَادَةِ قُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ أَلْبَتَّةَ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ التُّرَابَ فِي التَّيَمُّمِ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ غَيْرُ طَهُورٍ فَمَا حَلَّ مَسُّ الْمُصْحَفِ، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ بِاسْتِعْمَالِ تُرَابٍ غَيْرِ طَهُورٍ انْتَهَى لَكِنْ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ لَمْ يَنْوِ بِهِ قُرْبَةً مَقْصُودَةً لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ إلَيْهَا أَصَالَةً بَلْ ضِمْنًا لِأَنَّ الْمَسَّ وَالدُّخُولَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ أَصَالَةً بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التِّلَاوَةُ وَالصَّلَاةُ غَالِبًا وَهُمَا مَقْصُودَانِ ضِمْنًا وَبِهَذَا الْقَدْرِ يَكْفِي لَمْسُ الْمُصْحَفِ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ وَقَدَمَاهُ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ وَلَكِنْ يَجُوزُ بِهِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَلَا يَتَجَاوَزُ إلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَكَمَالُهَا أَنْ يَنْوِيَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً بِنَفْسِهَا لَا فِي ضِمْنِ شَيْءٍ آخَرَ تَدَبَّرْ (فَلَوْ تَيَمَّمَ كَافِرٌ لِلْإِسْلَامِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِهِ) عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنِّيَّةِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ صَحِيحٌ لِلْإِسْلَامِ لَا لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى قُرْبَةً مَقْصُودَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute