للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي الْكَسْبِ]

ِ وَفِي الِاخْتِيَارِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ حَسَنٍ يَقُولُ طَلَبُ الْكَسْبِ فَرِيضَةٌ كَمَا أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ وَهَذَا صَحِيحٌ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «طَلَبُ الْكَسْبِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «طَلَبُ الْكَسْبِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَيْ الْفَرِيضَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ» وَلِأَنَّهُ لَا يُتَوَسَّلُ إلَى إقَامَةِ الْفَرْضِ إلَّا بِهِ وَكَانَ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ إلَّا بِقُوَّةِ بَدَنِهِ وَقُوَّةِ بَدَنِهِ بِالْقُوتِ عَادَةً وَخِلْقَةً وَتَحْصِيلُ الْقُوتِ بِالْكَسْبِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الطَّهَارَةِ إلَى آلَةِ الِاسْتِقَاءِ وَالْآنِيَةِ وَفِي الصَّلَاةِ إلَى مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ عَادَةً بِالِاكْتِسَابِ، وَالرُّسُلُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانُوا يَكْتَسِبُونَ وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلٍ جَمَاعَةٍ أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِيهِ إنْ شِئْت فَلْيُرَاجَعْ.

وَطَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ أَيْضًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ حُكِيَ عَنْ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ قَالَ النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ إذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِ الْبِرِّ وَكَذَا الِاشْتِغَالُ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ إذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ

وَهُوَ أَقْسَامٌ: فَرْضٌ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ وَمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمُسْتَحَبٌّ وَقُرْبَةٌ كَتَعَلُّمِ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَعْلِيمِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَمُبَاحٌ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لِلزِّينَةِ وَالْكَمَالِ، وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ التَّعَلُّمُ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ وَيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ وَلِذَلِكَ كَرِهَ الْإِمَامُ تَعَلُّمَ الْكَلَامِ وَالْمُنَاظَرَةَ فِيهِ وَرَاءَ قَدْرِ الْحَاجَةِ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعَلُّمُ عِلْمِ النُّجُومِ لِمَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَالزِّيَادَةُ حَرَامٌ وَالْحِيلَةُ وَالتَّمْوِيهُ فِي الْمُنَاظَرَةِ إنْ تَكَلَّمَ مُسْتَرْشِدًا مُنْصِفًا بِلَا تَعَنُّتٍ لَا يُكْرَهُ وَكَذَا إنْ غَيْرَ مُسْتَرْشِدٍ لَكِنَّهُ مُنْصِفٌ غَيْرُ مُتَعَنِّتٍ فَإِنْ أَرَادَ بِالْمُنَاظَرَةِ طَرْحَ الْمُتَعَنِّتِ لَا بَأْسَ بِهِ وَيَحْتَالُ كُلَّ الْحِيلَةِ لِيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ التَّعَنُّتَ، وَالتَّعَنُّتُ لِدَفْعِ التَّعَنُّتِ مَشْرُوعٌ.

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَتَعَلُّمُ الْمَنْطِقِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَفِي قُوتِ الْقُلُوبِ جَعَلَ الْجُهَّالُ أَصْحَابَ الْمَنْطِقِ عُلَمَاءَ انْتَهَى.

وَالتَّعْلِيمُ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ فَرْضٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ كُلِّ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُجِيبُ غَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ لِأَنَّ الْفَتْوَى وَالتَّعْلِيمَ فَرْضُ كِفَايَةٍ.

(أَفْضَلُهُ) أَيْ الْكَسْبِ (الْجِهَادُ) لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ بَيْنَ حُصُولِ الْكَسْبِ وَإِعْزَازِ الدِّينِ وَقَهْرِ عَدُوِّ اللَّهِ (ثُمَّ التِّجَارَةُ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَثَّ عَلَيْهَا فَقَالَ «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ مَعَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ» (ثُمَّ الْحِرَاثَةُ) وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ آدَم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (ثُمَّ الصِّنَاعَةُ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>