حَرَّضَ عَلَيْهَا فَقَالَ «الْحِرْفَةُ أَمَانٌ مِنْ الْفَقْرِ» لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكَسْبِ فِي الْإِبَاحَةِ عَلَى السَّوَاءِ هُوَ الصَّحِيحُ.
(وَمِنْهُ) أَيْ وَبَعْضُ الْكَسْبُ (فَرْضٌ وَهُوَ) أَيْ الْكَسْبُ (قَدْرُ الْكِفَايَةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَتَوَسَّلُ إلَى إقَامَةِ الْفَرْضِ إلَّا بِهِ خُصُوصًا إلَى قَضَاءِ الدِّينِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَإِنْ تَرَكَ الِاكْتِسَابَ بَعْدَ ذَلِكَ وَسِعَهُ وَإِنْ اكْتَسَبَ مَا يَدَّخِرُهُ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ادَّخَرَ قُوتَ عِيَالِهِ سَنَةً» كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ (لِيُوَاسِيَ بِهِ) أَيْ بِالزَّائِدِ (فَقِيرًا أَوْ يَصِلَ بِهِ قَرِيبًا) فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَفْلِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّفْلِ تَخُصُّهُ وَمَنْفَعَةَ الْكَسْبِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «النَّاسُ عِيَالُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَأَحَبُّهُمْ إلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ» .
(وَمُبَاحٌ وَهُوَ الزِّيَادَةُ لِلتَّجَمُّلِ) وَالتَّنَعُّمِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ طَلَبَ مِنْ الدُّنْيَا حَلَالًا مُتَعَفِّفًا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَحَرَامٌ وَهُوَ الْجَمْعُ لِلتَّفَاخُرِ وَالْبَطَرِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ مِنْ حِلٍّ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا مُفَاخِرًا مُكَاثِرًا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» .
(وَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ بِلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ) وَلَا يَتَكَلَّفُ لِتَحْصِيلِ جَمِيعِ شَهَوَاتِهِمْ وَلَا يَمْنَعُهُمْ جَمِيعًا بَلْ يَكُونُ وَسَطًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: ٦٧] «وَلَا يَسْتَدِيمُ الشِّبَعُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجُوعُ يَوْمًا وَأَشْبَعُ يَوْمًا» (وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ لَزِمَهُ) أَيْ مِنْ الْكَسْبِ لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا (وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْكَسْبِ (لَزِمَهُ السُّؤَالُ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ لَكِنْ لَا يَحِلُّ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «السُّؤَالُ آخَرُ كَسْبِ الْعَبْدِ» (فَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ السُّؤَالَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ (حَتَّى مَاتَ) مِنْ جُوعِهِ (أَثِمَ) لِأَنَّهُ أَلْقَى نَفْسَهُ إلَى التَّهْلُكَةِ فَإِنَّ السُّؤَالَ يُوَصِّلُهُ إلَى مَا تَقُومُ بِهِ نَفْسُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْكَسْبِ وَلَا ذُلَّ فِي السُّؤَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
(وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ السُّؤَالِ الْكَسْبِ (يُفْرَضُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ) أَيْ بِعَجْزِهِ (أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ مَنْ يُطْعِمُهُ) صَوْنًا لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ اشْتَرَكُوا فِي الْإِثْمِ وَإِذَا أَطْعَمَهُ وَاحِدٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَمَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ لَا يَحِلُّ السُّؤَالُ (وَيُكْرَهُ إعْطَاءُ سُؤَالِ) جَمْعُ سَائِلٍ كَنُصَّارٍ جَمْعُ نَاصِرٍ (الْمَسْجِدِ) فَقَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَقُمْ مَنْ يُبْغِضُ اللَّهُ فَيَقُومُ سُؤَالُ الْمَسْجِدِ (وَقِيلَ إنْ كَانَ) أَيْ السَّائِلُ فِي الْمَسْجِدِ (لَا يَتَخَطَّى رِقَابَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute