للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ مَعْرُوفًا بِهَا وَبِالْقَتْلِ لَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ

صَادَرَهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَبَاعَهُ صَحَّ وَالْحِيلَةُ لَهُ فِيهِ مِنْ أَيْنَ أُعْطِي وَلَا مَالَ لِي فَإِذَا قَالَ الظَّالِمُ بِعْ جَارِيَتَك وَقَدْ صَارَ مُكْرَهًا عَلَى بَيْعِ الْجَارِيَةِ فَلَا يَنْفُذُ بَيْعُهَا

الْمُكْرَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ لَا يَضْمَنُ بِأَخْذِهِ إذَا نَوَى وَقْتَ الْأَخْذِ أَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِلَّا يَضْمَنْ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُكْرَهِ مَعَ يَمِينِهِ.

[كِتَابُ الْحَجْرِ]

ِ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَوَارِضِ الَّتِي تُزِيلُ سَبَبَ الْوِلَايَةِ وَالرِّضَى وَسَبَبُ تَأْخِيرِ هَذَا الْكِتَابِ عَنْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ (هُوَ) فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا أَيُّ مَنْعٍ كَانَ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حَجْرًا؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعَقْلُ حَجْرًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ عَنْ الْقَبَائِحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: ٥] أَيْ لِذِي عَقْلٍ وَفِي الْعُرْفِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعٍ حُكْمِيٍّ كَالنَّهْيِ إلَّا أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْحَجْرِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِحَالٍ فِي الْبَيْعِ وَفِي النَّهْيِ يُفِيدُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْحَجْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَكَذَا يُفَرَّقُ مِنْ حَيْثُ الْمَاهِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ هُوَ الْمَنْعُ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَالنَّهْيَ هُوَ الْمَنْعُ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَفِي الشَّرْعِ (مَنْعُ نَفَاذِ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي الْحُكْمِيَّاتِ دُونَ الْحِسِّيَّاتِ، وَنُفُوذُ الْقَوْلِ حُكْمِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُرَدُّ وَلَا يُقْبَلُ وَالْفِعْلُ حِسِّيٌّ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إذَا وَقَعَ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ هُوَ مَنْعُ نَفَاذِ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ (وَأَسْبَابُهُ) أَيْ الْحَجْرِ (الصِّغَرُ) بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَأَنْ يَكُونَ عَدِيمَ الْعَقْلِ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَعَقْلُهُ نَاقِصٌ فَالضَّرَرُ مُحْتَمَلٌ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ صَحَّ تَصَرُّفُهُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْمَصْلَحَةِ (وَالْجُنُونُ) .

وَفِي الدُّرَرِ فَإِنْ عَدِمَ الْإِفَاقَةَ كَانَ عَدِيمَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَانَ نَاقِصَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ عَاقِلٍ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَأَمَّا الْمَعْتُوهُ فَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلَطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ (وَالرِّقُّ) لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ كَامِلُ الرَّأْيِ كَالْحُرِّ غَيْرُ أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِلْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِأَجْلِ حَقِّهِ فَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ

اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى شَرَّفَ الْبَشَرَ بِالْإِنْعَامِ بِالْعَقْلِ وَرَكَّبَ فِيهِمْ الْهَوَى وَالْعَقْلَ وَجَعَلَ فِي الْمَلَائِكَةِ الْعَقْلَ دُونَ الْهَوَى وَفِي الْبَهَائِمِ الْهَوَى دُونَ الْعَقْلِ فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ عَلَى هَوَاهُ كَانَ أَفْضَلَ خَلْقِهِ لِمَا يُقَاسِي مِنْ مُخَالَفَةِ الْهَوَى وَمَنْ غَلَبَ هَوَاهُ عَلَى عَقْلِهِ كَانَ أَرْدَى مِنْ الْبَهَائِمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: ١٧٩] فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ ذَوِي النُّهَى حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ أَئِمَّةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>