لِأَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ صَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الْفَاقِئِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ كَامِلَةً وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَفِي عَيْنِ الْفَرَسِ أَوْ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ أَوْ بَعِيرِ الْجَزَّارِ أَوْ بَقَرَتِهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلِأَنَّ إقَامَةَ الْعَمَلِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَرْبَعِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَيْ الْمُسْتَعْمِلِ لَهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ إحْدَاهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ النُّقْصَانُ كَمَا فِي الشَّاةِ قِيلَ: وَالْقَصَّابُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْحُكْمُ فِي كُلِّ بَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ رُبْعُ الْقِيمَةِ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ وَفِي كُلِّ شَاةٍ النُّقْصَانُ وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي بَقَرَةِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمَا مُعَدَّانِ لِلَّحْمِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الشَّاةِ وَتَرَكَ فِي الْإِصْلَاحِ إضَافَةَ الشَّاةِ إلَى الْقَصَّابِ مُعَلِّلًا بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَظِنَّةِ الِاخْتِصَاصِ خُصُوصًا عِنْدَ مُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي شَاةِ الْقَصَّابِ أَيْضًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلَّحْمِ فَلَا يُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّحْمِ بَلْ يُوجَدُ نُقْصَانٌ فِي مَالِيَّتِهَا لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ اللَّحْمِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ.
[بَاب فِي جِنَايَة الرَّقِيق وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ]
ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْحُرُّ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَأَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْعَبْدِ عَنْ رُتْبَةِ الْحُرِّ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ مَا وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْحُرِّ مُطْلَقًا بَلْ بَقِيَ مِنْهُ جِنَايَةُ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ فِي هَذَا الْبَابِ فَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ تَعَلُّقٌ بِالْمَمْلُوكِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جَانِبٍ أَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ الْمَمْلُوكِ رُتْبَةً مِنْ الْمَالِكِ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ قِيلَ: مُوجِبُهَا الْأَرْشُ لِأَنَّ النُّصُوصَ مُطْلَقَةٌ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِالدَّفْعِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ وَقِيلَ: مُوجِبُهَا الدَّفْعُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِالْفِدَاءِ وَلِهَذَا يَبْرَأُ الْمَوْلَى بِهَلَاكِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ غَيْرَهُ لَمَا بَرِئَ بِهَلَاكِهِ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ الدَّفْعُ لَا الْفِدَاءُ (جِنَايَاتُ الْمَمْلُوكِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعًا وَاحِدًا لَوْ) كَانَ (مَحِلًّا لِلدَّفْعِ) بِأَنْ كَانَ قِنًّا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومَةِ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحِلًّا لِلدَّفْعِ بِأَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا سَلَفَ فَتُوجِبُ (قِيمَةَ وَاحِدَةٍ لَوْ) كَانَ (غَيْرَ مَحِلٍّ لَهُ) أَيْ لِلدَّفْعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا يُفِيدُ مَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute