لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَشِيئَةِ عَنْ قَصْدٍ أَوْ عَنْ عَمَلِهِ بِمَعْنَاهُ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهَا عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ جَاهِلًا بِهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، فَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مُتَّصِلًا وَهُوَ لَا يَذْكُرُهُ قَالُوا إنْ كَانَ حَالٌ لَا يَدْرِي مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ لِغَضَبٍ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ الشُّهُودِ وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالْفَتْوَى احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْفُرُوجِ فِي زَمَانٍ غَلَبَ عَلَى النَّاسِ الْفَسَادُ، وَلَا يُرَدُّ مَا قِيلَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِأَمْرِ الْفُرُوجِ مَنْظُورٌ فِيهِ؛ لِأَنَّا لَوْ احْتَطْنَا كَمَا قَالَ يَكُونُ قَدْ تَرَكْنَا الِاحْتِيَاطَ فِي حِلِّ التَّزَوُّجِ بِهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ وَحَكَمَ بِالْفُرْقَةِ نَفَذَ حُكْمَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَحَلَّ التَّزَوُّجُ بِهَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ بِبَقَاءِ الْخِلَافِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا.
(وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً) مُتَّصِلًا (يَقَعُ ثِنْتَانِ) ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْوَاحِدَةِ مِنْ الثَّلَاثِ اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ فَيَصِحُّ وَيَقَعُ ثِنْتَانِ (وَفِي) أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (الِاثْنَتَيْنِ) يَقَعُ (وَاحِدَةٌ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ إلَّا الْفَرَّاءَ مِنْهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ.
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ لِمَا وَقَعَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُحْصَى وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَمَّا صَارَ عِبَارَةً عَنْ الْبَاقِي يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ يَصِيرُ بِهِ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ الثُّنْيَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (وَفِي) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا (إلَّا ثَلَاثًا) يَقَعُ (ثَلَاثٌ) بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ بَقَاءِ مَا يَصِيرُ بِهِ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ الثُّنْيَا وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ رُجُوعٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ فَاسِدٌ وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ قَالُوا إنَّمَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ إذَا كَانَهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَأَمَّا إذَا اسْتَثْنَى بِغَيْرِهِ كَمَا إذَا قَالَ كُلُّ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا فَاطِمَةَ وَزَيْنَبَ وَهِنْدَ فَيَجُوزُ وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ.
[بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ]
ِ وَفِي الْبَعْضِ " الْفَارِّ "، وَرَجَّحَهُ بِأَنْ قَالَ الْحُكْمُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْمَرَضِ لَكِنْ مَنْ نَظَرَ إلَى أَصَالَةِ الْمَرَضِ عَنْوَنَ بِهِ وَالْبَاقِي تَبَعٌ لَهُ وَوَجْهُ تَأْخِيرِهِ لَيْسَ بِخَفِيٍّ (الْحَالَةُ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الرَّجُلُ فَارًّا بِالطَّلَاقِ وَلَا يَنْفُذُ تَبَرُّعَهُ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (إلَّا مِنْ الثُّلُثِ مَا يَغْلِبُ فِيهَا الْهَلَاكُ) أَيْ خَوْفُهُ وَهَذَا حَدٌّ لِلْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ شَرْعًا وَهُوَ شَامِلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute