فَأَنْتَ بَرِيءٌ (لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَدَّى) نِصْفَهُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا، وَالْبَرَاءَةُ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ.
(وَمَنْ قَالَ) أَيْ الْمَدْيُونُ (سِرًّا لِرَبِّ دَيْنِهِ: لَا أُقِرُّ لَك حَتَّى تُؤَخِّرَ) أَيْ الدَّيْنَ (عَنِّي أَوْ تَحُطَّ) عَنِّي (بَعْضَهُ فَفَعَلَ) رَبُّ الدَّيْنِ التَّأْخِيرَ أَوْ الْحَطَّ (جَازَ) أَيْ التَّأْخِيرُ، وَالْحَطُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ الصُّلْحِ مَعَ الْإِنْكَارِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فِي الْحَالِ بَعْدَ التَّأْخِيرِ، وَلَا مِنْ مُطَالَبَةِ مَا حَطَّ فِي الْحَطِّ أَبَدًا.
(وَإِنْ أَعْلَنَ) مَا قَالَهُ سِرًّا (لَزِمَهُ) أَيْ جَمِيعُ الدَّيْنِ (لِلْحَالِ) أَيْ بِلَا تَأْخِيرٍ إنْ أَخَّرَ، وَلَا حَطٍّ إنْ حَطَّ.
[فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَالتَّخَارِيجِ]
ِ (إنْ صَالَحَ أَحَدُ رَبَّيْ الدَّيْنِ) فِي دَيْنٍ (عَنْ نِصْفِهِ) أَيْ الدَّيْنِ - وَهُوَ نَصِيبُهُ - (عَلَى ثَوْبٍ فَلِشَرِيكِهِ) الْخِيَارُ إنْ شَاءَ (أَنْ يَتَّبِعَ الْمَدْيُونَ بِنِصْفِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الدَّيْنِ لِبَقَاءِ حِصَّتِهِ فِي ذِمَّتِهِ (أَوْ يَأْخُذَ نِصْفَ الثَّوْبِ) مِنْ شَرِيكِهِ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ، لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ دَيْنِهِ (إلَّا أَنْ يُضَمِّنَ) أَيْ الشَّرِيكُ (لَهُ الْمُصَالِحَ رُبُعَ الدَّيْنِ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الثَّوْبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ ثُمَّ هَهُنَا قَيْدَانِ.
الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ دَيْنًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ يَخْتَصُّ الْمُصَالِحُ بِبَدَلِ الصُّلْحِ، وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ مَالٌ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الدَّيْنِ.
وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ ثَوْبًا، وَالْمُرَادُ خِلَافُ جِنْسِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى جِنْسِهِ يُشَارِكُهُ فِيهِ أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ، وَلَيْسَ لِلْقَابِضِ فِيهِ خِيَارٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ بَعْضِ الدَّيْنِ.
(وَإِنْ قَبَضَ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ شَارَكَهُ شَرِيكُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الَّذِي قَبَضَهُ، إذَا لَمْ يُشَارِكْهُ تَلْزَمُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ، فَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ (وَاتَّبَعَا) أَيْ رَجَعَا الشَّرِيكَانِ عَلَى (الْغَرِيمِ) أَيْ الْمَدْيُونِ (بِمَا بَقِيَ) مِنْ الدَّيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاقْتِضَاءِ، وَلَوْ سَلَّمَ لَهُ الْمَقْبُوضَ، وَاخْتَارَ مُتَابَعَةَ الْغَرِيمِ، ثُمَّ تَوِيَ نَصِيبُهُ بِأَنْ مَاتَ الْمَدْيُونُ مُفْلِسًا رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْمَقْبُوضَةِ بَلْ يَعُودُ إلَى ذِمَّتِهِ.
(وَإِنْ) لَمْ يُصَالِحْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بَلْ (اشْتَرَى) مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ (بِنَصِيبِهِ) مِنْ الدَّيْنِ (شَيْئًا) فَالْآخَرُ مُخَيَّرٌ: إنْ شَاءَ (ضَمَّنَهُ شَرِيكُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ) لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِنَصِيبِهِ بِالْمُقَاصَّةِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ، وَالْمُنَازَعَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْحَطِيطَةِ وَالْمُسَامَحَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute