لَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ يَجُوزُ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ هَذَا التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ انْتَهَى.
لَكِنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ التَّصَرُّفِ وَقَادِرًا عَلَيْهِ وَإِنْ امْتَنَعَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِعَارِضِ النَّهْيِ فَلَا يَلْزَمُ مَا قِيلَ تَدَبَّرْ.
[شُرُوط الْوَكَالَة]
(وَ) شَرْطُهَا أَيْضًا كَوْنُ (الْوَكِيلِ) مِمَّنْ (يَعْقِلُ الْعَقْدَ) وَيَعْرِفُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمَبِيعِ وَجَالِبٌ لِلثَّمَنِ وَالشِّرَاءَ عَلَى عَكْسِهِ وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ وَالْيَسِيرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تَوْكِيلَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ وَفَرْقُ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ مِنْ الْفَاحِشِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِهِ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ انْتَهَى.
لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ هُوَ الْمُمَيِّزُ مُطْلَقًا فَلَا يُرَدُّ تَدَبَّرْ (وَيَقْصِدُهُ) أَيْ يَقْصِدُ الْوَكِيلُ ثُبُوتَ حُكْمِ الْعَقْدِ وَحُصُولَ الرِّبْحِ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ بِطَرِيقِ الْهَزْلِ فَلَا يَقَعُ عَنْ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ لَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ لَا فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْوَكِيلِ وَعَدَمِهِ وَعَدَمِ وُقُوعِهِ عَنْ الْمُوَكِّلِ وَلِذَا تَرَكَهُ فِي الْكَنْزِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ يَقْصِدُهُ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ يَعْقِلُ وَالْعَطْفُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَصْدِ يُعْلَمُ كَمَالُ الْعَقْلِ تَدَبَّرْ وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ الْمَعْتُوهَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُهُ وَيَقْصِدُهُ وَإِنْ لَمْ يُرَجِّحْ الْمَصْلَحَةَ عَلَى الْمَفْسَدَةِ، وَإِلَى أَنَّ عِلْمَ الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ لِمَنْ يَشْتَرِطُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَلَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ وَطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ جَازَ خِلَافًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْحُرِّ الْبَالِغِ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْعَاقِلِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الْمَجْنُونِ لِمَا فِي التَّنْوِيرِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ مُطْلَقًا وَصَبِيٍّ يَعْقِلُ بِنَحْوِ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ وَصَحَّ تَوْكِيلُهُ بِمَا يَنْفَعُهُ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَبِمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ ضَرَرٍ وَنَفْعٍ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ إنْ مَأْذُونًا وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ (أَوْ الْمَأْذُونِ) وَالْمُرَادُ بِالْمَأْذُونِ الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ الَّذِي أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَالْعَبْدُ الَّذِي أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَيْ يَصِحُّ تَوْكِيلُ كُلٍّ مِنْهُمَا (حُرًّا) مَفْعُولُ تَوْكِيلٍ (بَالِغًا، أَوْ مَأْذُونًا) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مَالِكٌ لِلتَّصَرُّفِ وَالْوَكِيلَ أَهْلٌ لَهُ (أَوْ) تَوْكِيلُهُمَا (صَبِيًّا عَاقِلًا، أَوْ عَبْدًا مَحْجُورَيْنِ) قَيْدٌ لِلصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ أَهْلٌ لِلْعِبَارَةِ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَكَذَا الْعَبْدُ حَتَّى يَصِحَّ طَلَاقُهُ وَإِقْرَارُهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلَكِنْ لَا يَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَيْهِمَا بَلْ إلَى مُوَكِّلِهِمَا إذْ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الْتِزَامُ الْعُهْدَةِ فَالصَّبِيُّ لِقُصُورِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْعَبْدُ لِحَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَأْذُونَيْنِ بِحَيْثُ تَلْزَمُهُمَا الْعُهْدَةُ اسْتِحْسَانًا.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ الْبَائِعِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ، أَوْ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَزِمَهُ الثَّمَنُ وَرَجَعَ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute