وَصَرَّحَ بِكَوْنِ الْحَسَنِ سُنِّيًّا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّهُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ لَا لِأَنَّهُ عِنْدَنَا سُنِّيٌّ دُونَ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ (تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ لَا جِمَاعَ فِيهَا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: ١] «وَأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ابْنَ عُمَرَ بِأَنْ يُرَاجِعَ وَيُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ وَاحِدَةً» وَلَا بِدْعَةَ فِيمَا أَمَرَ هَذَا حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ: إنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَا يُبَاحُ إلَّا وَاحِدَةٌ (وَلِغَيْرِهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا (طَلْقَةٌ، وَلَوْ) كَانَتْ الطَّلْقَةُ (فِي الْحَيْضَةِ) وَهُوَ سُنِّيٌّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ وَمِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ أَيْضًا وَلَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ فِي الْحَيْضِ كَوْنُهُ سُنِّيًّا؛ لِأَنَّ السُّنِّيَّ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ طَلْقَةٌ فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ مَخْصُوصٌ بِالْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِهَا لَا يَضُرُّ كَوْنُهُ فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا تَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِيهَا بِالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ شَدِيدُ الرَّغْبَةِ فِي امْرَأَةٍ لَمْ يَنَلْ مِنْهَا فَلَا يَكُونُ إقْدَامُهُ عَلَى طَلَاقِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا تَقِلُّ بِالْحَيْضِ فَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَاجَةِ إلَى طَلَاقِهَا.
وَقَالَ زُفَرُ يَضُرُّ وَيُكْرَهُ فِي الْحَيْضِ قِيَاسًا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَيَسْتَوِي مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا. انْتَهَى، لَكِنَّ الِاسْتِوَاءَ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا مُتَعَذِّرٌ فَإِنَّ السُّنِّيَّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا يَثْبُتُ بِقِسْمَيْنِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً وَأَنْ يُلْحِقَهَا بِأُخْرَيَيْنِ عِنْدَ الطُّهْرَيْنِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إذْ لَا عِدَّةَ لَهَا كَمَا يَأْتِي، تَأَمَّلْ.
(وَالْآيِسَةُ وَالصَّغِيرَةُ وَالْحَامِلُ يُطَلَّقْنَ لِلسُّنَّةِ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي الْأَصَحِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ بِالِاتِّفَاقِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ (لَا تَطْلُقُ الْحَامِلُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ حَمْلِهَا طُهْرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَصْلُحُ لِلتَّفْرِيقِ كَالطُّهْرِ الْمُمْتَدِّ وَلَهُمَا أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ مُدَّةَ حَمْلِهَا فَصَارَتْ كَالْآيِسَةِ بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا (وَجَازَ طَلَاقُهُنَّ) أَيْ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ (عَقِيبَ الْجِمَاعِ) ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا.
[الطَّلَاق الْبِدْعِيّ عَلَى نَوْعَيْنِ]
وَاعْلَمْ أَنَّ الْبِدْعِيَّ عَلَى نَوْعَيْنِ بِدْعِيٌّ لِمَعْنًى يَعُودُ إلَى الْعَدَدِ وَبِدْعِيٌّ يَعُودُ إلَى الْوَقْتِ وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (وَبِدْعِيُّهُ) أَيْ بِدْعِيُّ الطَّلَاقِ عَدَدًا (تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا، أَوْ ثِنْتَيْنِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ ثِنْتَيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَكَانَ عَاصِيًا لَكِنْ إذَا فَعَلَ بَانَتْ مِنْهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ مُبَاحٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي صَدْرِ الْأَوَّلِ إذَا أَرْسَلَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً لَمْ يُحْكَمْ إلَّا بِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ إلَى زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ثُمَّ حَكَمَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ لِكَثْرَتِهِ بَيْنَ النَّاسِ تَهْدِيدًا (أَوْ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَا رَجْعَةَ فِيهِ إنْ) كَانَتْ (مَدْخُولًا بِهَا) وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَا رَجْعَةَ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَخَلَّلَتْ الرَّجْعَةُ فَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ وَإِنْ تَخَلَّلَ التَّزَوُّجُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَيَّدَ الْمَدْخُولَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ فَطَلَّقَهَا ثَانِيًا فِي طُهْرٍ لَا يَقَعُ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute