للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْمُحِيلَ أَنْكَرَ الدَّيْنَ، إذْ إقْرَارُهُ بِالْحَوَالَةِ، وَإِقْدَامُهُ عَلَيْهَا لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَكَالَةِ بِمَعْنَى نَقْلِ التَّصَرُّفِ بَلْ يُسْمَعُ طَلَبُ الْمُحِيلِ كَطَلَبِ الْمُوَكِّلِ مِنْ الْوَكِيلِ مَا قَبَضَهُ.

وَفِي التَّنْوِيرِ: أَدَّى الْمَالَ فِي الْحَوَالَةِ الْفَاسِدَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ وَهُوَ الْمُحْتَالُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ عَقْدِهَا.

[حُكْم السَّفْتَجَة]

(وَتُكْرَهُ السَّفْتَجَةُ) بِضَمِّ السِّينِ وَالتَّاءِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَبِفَتْحِ التَّاءِ عِنْدَ الْأَخْفَشِ تَعْرِيبُ سفته وَمَعْنَاهَا الْمُحْكَمُ (وَهِيَ الْإِقْرَاضُ) أَيْ أَنْ يُقْرِضَ إلَى تَاجِرٍ مَثَلًا قَرْضًا لِيَدْفَعَهُ إلَى صَدِيقِهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ (لِسُقُوطِ خَطَرِ الطَّرِيقِ) ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَاضَ فِي مَعْنَى حَوَالَةِ الصَّدِيقِ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ أَوْ لِأَنَّهُ حَوَالَةُ الطَّرِيقِ إلَيْهِ أَوْ لِأَنَّ الْمُقْرِضَ يُحِيلُهُ بِالْأَدَاءِ إلَى الصَّدِيقِ.

[كِتَابُ الْقَضَاءِ]

ِ لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْمُنَازَعَاتِ يَقَعُ فِي الْبِيَاعَاتِ وَالدُّيُونِ عَقَّبَهَا بِمَا يَقْطَعُهَا وَهُوَ قَضَاءُ الْقَاضِي، أَضَافَ الْكِتَابَ إلَى الْقَضَاءِ دُونَ الْأَدَبِ نَظَرًا إلَى أَنَّ بَيَانَ الْقَضَاءِ مَقْصُودٌ، وَبَيَانَ الْأَدَبِ مَتْبُوعٌ، وَالْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ لَهُ مَعَانٍ يَكُونُ بِمَعْنَى الْإِتْقَانِ وَالْإِحْكَامِ، فَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ مَصْدَرُ قَضَيْت بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَعَلَيْهِمَا حَكَمْت، وَالْجَمْعُ الْأَقْضِيَةُ، وَقَضَى أَيْ حَكَمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣] وَبِمَعْنَى الْإِبْلَاغِ وَبِمَعْنَى الْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: ٤] {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} [الحجر: ٦٦] أَيْ أَنْهَيْنَاهُ إلَيْهِ وَأَبْلَغْنَاهُ ذَلِكَ وَبِمَعْنَى الصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: ١٢] وَمِنْهُ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ، وَيُقَالُ: اسْتَقْضَى فُلَانًا أَيْ صَيَّرَهُ قَاضِيًا.

وَفِي الشَّرْحِ هُوَ قَطْعُ الْخُصُومَةِ أَوْ قَوْلٌ مُلْزِمٌ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةٍ عَامَّةٍ وَفِيهِ مَعَانِي اللُّغَةِ جَمِيعًا، فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَهُ بِالْحُكْمِ وَأَخْبَرَهُ بِهِ وَفَرَغَ عَنْ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا وَقَدَّرَ مَا عَلَيْهِ وَمَا لَهُ وَأَقَامَ قَضَاهُ مَقَامَ صُلْحِهِمَا وَتَرَاضِيهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْخُصُومَةِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَمَحَاسِنُهُ لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَسَدَ الْعِبَادُ وَخَرِبَ الْبِلَادُ وَانْتَشَرَ الظُّلْمُ وَالْفَسَادُ، وَالْحَاكِمُ نَائِبُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي أَرْضِهِ فِي إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ، وَإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَبِهِ أُمِرَ كُلُّ نَبِيٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: ٤٤] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: ٤٩]

وَلِأَجْلِهِ بُعِثَ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَكَانَ عَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَلِهَذَا قَالَ (الْقَضَاءُ بِالْحَقِّ مِنْ أَقْوَى الْفَرَائِضِ وَأَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ) بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>