وَفِي الْكَافِي إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ إذَا كَانَ تَصَادُقُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا ظَاهِرًا حِينَ هَلَكَ الرَّهْنُ وَوُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي بِضَمَانِ الرَّهْنِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا فَأَمَّا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فَإِنَّ هُنَاكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً لِأَنَّ بِتَصَادُقِهِمَا يَنْتَفِي الدَّيْنُ مِنْ الْأَصْلِ فَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الدَّيْنِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ مَضْمُونًا.
وَفِي التَّنْوِيرِ كُلُّ حُكْمٍ عُرِفَ فِي الرَّهْنِ الصَّحِيحِ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الرَّهْنُ مَالًا وَلِلْقَابِلِ بِهِ مَضْمُونًا إلَّا أَنَّهُ فَقَدَ بَعْضَ شَرَائِطِ الْجَوَازِ يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ بِصِفَةِ الْفَسَادِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ أَصْلًا فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُطَالَعْ.
[كِتَاب الْجِنَايَات]
أَوْرَدَ الْجِنَايَاتِ عَقِيبَ الرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِصِيَانَةِ الْمَالِ وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ لِصِيَانَةِ الْأَنْفُسِ وَلَمَّا كَانَ الْمَالُ وَسِيلَةً لِبَقَاءِ النَّفْسِ قُدِّمَ الرَّهْنُ عَلَى الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ تُقَدَّمُ عَلَى الْمَقَاصِدِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ.
وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَكِنْ قُدِّمَ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهَا مَحْظُورَةٌ عَمَّا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ انْتَهَى وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْكَامُ الْجِنَايَاتِ دُونَ أَنْفُسِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحْكَامَهَا مَشْرُوعَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا وَجْهَ لِتَأْخِيرِهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَيُبْحَثُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ الرَّهْنِ وَحَظْرِ الْجِنَايَةِ وَيَكْفِي هُنَا هَذَا الْقَدْرُ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَالْجِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَجْنِيهِ أَيْ يَكْسِبَهُ الْمَرْءُ مِنْ شَرٍّ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً ثُمَّ خُصَّ فِي الْعُرْفِ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ بِمَا حُرِّمَ فِعْلُهُ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ الْأَوَّلُ يُسَمَّى قَتْلًا وَأَنْوَاعُهُ خَمْسَةٌ عَمْدٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ وَخَطَأٌ وَجَارٍ مَجْرَى الْخَطَأِ وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَالثَّانِي يُسَمَّى جِنَايَةً فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَشُرِعَ الْقِصَاصُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْحَيَاةِ شَرْعًا كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩] وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِ الْعَرَبِ الْقَتْلُ أَنَفَى لِلْقَتْلِ بَلَاغَةٌ وَفَصَاحَةٌ مُبَيَّنٌ فِي كُتُبِ الْبَيَانِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ فَقَالَ (الْقَتْلُ إمَّا عَمْدٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ) احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ قَتْلِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ (وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ) أَيْ ضَرْبَ الْقَاتِلِ الْمُكَلَّفِ مَا يَحْرُمُ ضَرْبُهُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ (بِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute