يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ مِنْ سِلَاحٍ) أُعِدَّ لِلْحَرْبِ (أَوْ مُحَدَّدٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ لِيطَةٍ أَوْ حُرْقَةٍ بِنَارٍ) أَقُولُ إنَّمَا شَرَطَ فِي الْآلَةِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْآلَاتِ فَأُقِيمَ الدَّلِيلُ مَقَامَ الْمَدْلُولِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ (بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا) حَتَّى لَوْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ خَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ عَمْدٌ وَقَوْلُهُ أَوْ لِيطَةٍ بِكَسْرِ اللَّامِ قِشْرُ الْقَصَبِ وَالْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ مِنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ لِأَنَّ النَّارَ مِنْ الْمُفَرِّقَاتِ لِلْأَجْزَاءِ كَمَا فِي الْإِتْقَانِ.
وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الْحَدِيدِ حَتَّى أَنَّهَا أَيْ النَّارَ إذَا وُضِعَتْ فِي الْمَذْبَحِ فَقَطَعَتْ مَا يَجِبُ قَطْعُهُ فِي الذَّكَاةِ وَسَالَ بِهَا الدَّمُ حَلَّ وَإِنْ انْجَمَدَ وَلَمْ يَسِلْ الدَّمُ لَا يَحِلُّ انْتَهَى.
وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْجُرْحَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُهُ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى.
وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ فَإِنْ أَصَابَتْهُ الْحَدِيدَةُ قُتِلَ بِهِ عِنْدَ الْكُلِّ وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِهِ وَلَمْ يَجْرَحْهُ فَعِنْدَهُمَا لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُعْتَبَرُ الْجُرْحُ سَوَاءٌ كَانَ حَدِيدًا أَوْ عُودًا أَوْ حَجَرًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ آلَةً يُقْصَدُ بِهَا الْجُرْحُ.
وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ الْجُرْحُ وَكَذَا سَنَجَاتُ الْمِيزَانِ مِنْ الْحَدِيدِ.
وَقَالَ رَجُلٌ أَحْمَى تَنُّورًا وَرَمَى فِيهِ إنْسَانًا أَوْ أَلْقَاهُ فِي نَارٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ هِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَثْبُتُ عَادَةً كَالسِّلَاحِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ النَّارَ كَالسِّلَاحِ فِي حُكْمِ الذَّكَاةِ حَتَّى لَوْ تَوَقَّدَتْ النَّارُ عَلَى الْمَذْبَحِ وَانْقَطَعَ بِهَا الْعُرُوقُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ انْتَهَى لَكِنْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنَّ النَّارَ تَعْمَلُ فِي الْحَيَوَانِ عَمَلَ الذَّكَاةِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ النَّارَ فِي الْمَذْبَحِ فَاحْتَرَقَ الْعُرُوقُ يُؤْكَلُ انْتَهَى وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكِفَايَةِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا سَالَ بِهَا الدَّمُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ (وَمُوجِبُهُ) أَيْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ (الْإِثْمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: ٩٣] وَفِي الْحَدِيثِ «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فِسْقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» .
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (وَالْقِصَاصُ عَيْنًا) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْقِصَاصِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَتَعَيَّنُ الْقِصَاصُ بَلْ الْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقْتُلَ وَإِمَّا يُودَى» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ وَمَا أَوْرَدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ فَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا تَجُوزُ بِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ لِأَنَّهُ نَسْخٌ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute