عَنْ ذَلِكَ وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَطَأَ الْقُبُورَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ يَدْعُو لَهُمْ وَقِيلَ الدُّعَاءُ قَائِمًا أَوْلَى فَيَقُومُ بِحِذَاءِ وَجْهِهِ.
وَفِي الْمُنْيَةِ مَاتَتْ نَصْرَانِيَّةٌ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ قِيلَ: تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِحُرْمَةِ وَلَدِهَا وَقِيلَ فِي مَقَابِرِهِمْ.
[بَابُ الشَّهِيدِ]
إنَّمَا خَصَّ الشَّهِيدَ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ مَعَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَضِيلَةِ وَكَانَ إخْرَاجُهُ مِنْ بَابِ الْمَيِّتِ كَإِخْرَاجِ جَبْرَائِيلَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَالشَّهِيدُ فَعِيلٌ وَهُوَ يَأْتِي بِمَعْنَى الْفَاعِلِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ شَاهِدٌ أَيْ حَيٌّ حَاضِرٌ عِنْدَ رَبِّهِ أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَ مَوْتَهُ فَكَانَ مَشْهُودًا أَوْ لِأَنَّهُ شُهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَلَمَّا أُطْلِقَ الشَّهِيدُ بِطَرِيقِ الِاتِّسَاعِ عَلَى الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ وَطَالِبِ الْعِلْمِ وَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيبِ وَذَاتِ الطَّلْقِ وَذِي ذَاتِ الْجَنْبِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا كَانَ لَهُمْ ثَوَابُ الْمَقْتُولِينَ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ بَيَّنَ الشَّهِيدَ الْحَقِيقِيَّ شَرْعًا وَهُوَ الشَّهِيدُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَقَالَ: (هُوَ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ) أَهْلُ (الْبَغْيِ أَوْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ) وَلَوْ بِغَيْرِ آلَةٍ جَارِحَةٍ فَإِنَّ مَقْتُولَهُمْ شَهِيدٌ بِأَيِّ آلَةٍ قَتَلُوهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَلَمْ يَكُنْ كُلُّهُمْ قِيلَ: السَّيْفُ وَالسِّلَاحُ بَلْ فِيهِمْ مَنْ دَمَغَ رَأْسَهُ بِالْحَجَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ بِالْعَصَا وَقَدْ عَمَّهُمْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْغُسْلِ (أَوْ وُجِدَ) مَيِّتًا (فِي الْمَعْرَكَةِ) أَيْ فِي مَعْرَكَةِ هَؤُلَاءِ (وَبِهِ أَثَرٌ) أَيْ جِرَاحَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ بَاطِنَةٌ كَخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَيِّتٍ حَتْفَ أَنْفِهِ (أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ) جِنْسٌ فَلَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ شَيْءٍ وَقِيلَ احْتِرَازٌ عَنْ كَافِرٍ فَيُغَسَّلُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (ظُلْمًا) احْتِرَازٌ عَنْ الْقَتْلِ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا (وَلَمْ تَجِبْ بِقَتْلِهِ دِيَةٌ) احْتِرَازٌ عَنْ قَتْلٍ وَجَبَ بِهِ مَالٌ كَالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ (فَيُكَفَّنُ) الشَّهِيدُ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّيْفَ مَحَاهُ الذُّنُوبُ فَأَغْنَى عَنْ الشَّفَاعَةِ قُلْنَا: الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِإِظْهَارِ كَرَامَتِهِ وَالشَّهِيدُ أَوْلَى.
(وَلَا يُغَسَّلُ وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ وَثِيَابِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ» (إلَّا مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ) فَيُنْزَعُ عَنْهُ (كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ) وَالْقَلَنْسُوَةِ (وَالْخُفِّ وَالسِّلَاحِ) لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute