وَكَذَا ذُو الْقِعْدَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِذَلِكَ.
(وَإِذَا ثَبَتَ فِي مَوْضِعٍ لَزِمَ جَمِيعَ النَّاسِ) وَلَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ حَتَّى قَالُوا لَوْ رَأَى أَهْلُ الْمَغْرِبِ هِلَالَ رَمَضَانَ يَجِبُ بِرُؤْيَتِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْمَشْرِقِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عِنْدَ قَاضٍ لَمْ يَرَ أَهْلُ بَلَدِهِ عَلَى أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَدْ شَهِدَا بِهِ وَأَمَّا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةِ كَذَا رَأَوْا الْهِلَالَ قَبْلَكُمْ بِيَوْمٍ وَهَذَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ فَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ فَلَا يُبَاحُ الْفِطْرُ غَدًا وَلَا يُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَتَحَقَّقَ يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ (وَقِيلَ: يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ) .
وَفِي التَّبْيِينِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ هَذَا الْقَوْلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ يُخَاطَبُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ، وَانْفِصَالُ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ كَمَا أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَخُرُوجَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِمَا.
وَقَالَ فِي الدُّرَرِ يُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ لَا تَجِبُ بِفَاقِدِ وَقْتِهِمَا.
وَفِي الِاخْتِيَارِ وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْحُسَامِيَّةِ إذَا صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِرُؤْيَةٍ وَأَهْلُ مِصْرٍ آخَرَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا بِرُؤْيَةٍ فَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ يَوْمٍ إنْ كَانَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ قُرْبٌ بِحَيْثُ يَتَّحِدُ الْمَطْلَعُ وَإِنْ كَانَ بَعُدَ بِحَيْثُ يَخْتَلِفُ لَا يَلْزَمُ أَحَدَ الْمِصْرَيْنِ حُكْمُ الْآخَرِ، وَحَدُّهُ عَلَى مَا فِي الْجَوَاهِرِ مَسِيرَةُ شَهْرٍ فَصَاعِدًا اعْتِبَارًا بِقِصَّةِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّهُ انْتَقَلَ كُلَّ غُدُوِّ وَرَوَاحٍ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الِاعْتِبَارِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
[بَابُ مُوجَبِ الْفَسَادِ]
بِفَتْحِ الْجِيمِ مَا يُوجِبُهُ الْإِفْسَادُ لِلصَّوْمِ يَعْنِي الْحُكْمَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الْإِفْسَادِ بِالْكَسْرِ مَا بِهِ الْفَسَادُ يَعْنِي الْأَسْبَابَ لِلْفِطْرِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عِنْدَ إبْطَالِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَارِضٌ عَلَى الصَّوْمِ فَلِهَذَا يُذْكَرُ مُؤَخَّرًا ثُمَّ الْعَوَارِضُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ مَا يُفْسِدُهُ مَعَ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَالثَّانِي مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَالثَّالِثُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ وَلَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَقَدْ بَيَّنَ الْأَقْسَامَ بِالتَّرْتِيبِ فَقَالَ (يَجِبُ الْقَضَاءُ) وَهُوَ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ اسْتِدْرَاكًا لِلْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ (وَالْكَفَّارَةُ) لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ (كَكَفَّارَةِ الْمُظَاهِرِ) بِأَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَيَصُومَ شَهْرَيْنِ وَلَاءً إذْ بِإِفْطَارِ يَوْمٍ اسْتَقْبَلَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَإِنَّمَا تَرَكَ بَيَانَ وَقْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute