فِي سَفَرٍ فَإِنْ كَانَ بُعْدُهَا عَنْ مِصْرِهَا الَّذِي نَشَأَتْ مِنْهُ أَوْ عَنْ مَقْصِدِهَا مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَعَنْ الْآخَرِ أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ تَتَوَجَّهُ الْمَرْأَةُ إلَى آخِرِ الْأَقَلِّ مِصْرًا كَانَ أَوْ مَقْصِدًا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ.
(وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ (فِي مِصْرٍ) مِنْ الْأَمْصَارِ الْوَاقِعَةِ فِي الطَّرِيقِ وَالْمُرَادُ مَوْضِعُ الْإِقَامَةِ وَلَوْ قَرْيَةً وَبُعْدُهَا عَنْ كُلٍّ مِنْ الْمِصْرِ وَالْمَقْصِدِ مَسِيرَةَ سَفَرٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ثُمَّ تَخْرُجُ إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ يَجُوزُ بِلَا مَحْرَمٍ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ مَا لَمْ تَعْتَدَّ (ثُمَّ تَخْرُجُ إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ لَكِنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَفَازَةِ سَارَتْ إلَى أَدْنَى الْبِقَاعِ الْآمِنَةِ إلَيْهَا (وَقَالَا إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ جَازَ الْخُرُوجُ قَبْلَ الِاعْتِدَادِ) ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ مُبَاحٌ دَفْعًا لِأَذَى الْغُرْبَةِ وَوَحْشَةِ الْوَحْدَةِ فَهَذَا عُذْرٌ وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلسَّفَرِ، وَقَدْ ارْتَفَعَتْ بِالْمَحْرَمِ، وَلَهُ إنَّ الْعِدَّةَ أَمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ ذَلِكَ فَلَمَّا حَرُمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ فَفِي الْعِدَّةِ أَوْلَى.
[بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ]
لَمَّا كَانَ مِنْ آثَارِ الْحَمْلِ ذَكَرَهُ عَقِيبَ الْعِدَّةِ (أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: ١٤] فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ (وَأَكْثَرُهَا) كَثِيرًا (سَنَتَانِ) وَغَالِبُهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعُ سِنِينَ وَعَنْ مَالِكٍ وَعَبَّادٍ خَمْسُ سِنِينَ وَعَنْهُ وَرَبِيعَةَ سَبْعُ سِنِينَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ سِتُّ سِنِينَ وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِحِكَايَاتٍ مِنْهَا مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِيَّ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ وَهَذِهِ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي نِسَاءِ مَاجِشُونِ أَنَّهُنَّ تَلِدُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ وَرُوِيَ أَنَّ الضَّحَّاكَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ بَعْدَمَا نَبَتَتْ ثَنِيَّتَاهُ وَهُوَ يَضْحَكُ فَسُمِّيَ ضَحَّاكًا وَكَذَا هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُمْ وَلَنَا قَوْلُ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ أَيْ بِقَدْرِ ظِلِّ مِغْزَلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ أَيْ بِقَدْرِ دَوْرَانِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ.
وَظِلُّ الْمِغْزَلِ مَثَلٌ لِقِلَّتِهِ لِأَنَّ ظِلَّهُ حَالَ الدَّوْرَانِ أَسْرَعُ زَوَالًا مِنْ سَائِرِ الظِّلَالِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَتْهُ سَمَاعًا إذْ الْعَقْلُ لَا يَهْتَدِي إلَى الْمَقَادِيرِ، وَالْحِكَايَاتُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْغَلَطِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْمَرْأَةِ أَنَّهَا تَحْتَسِبُ مُدَّةَ الْحَمْلِ مِنْ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَالِانْقِطَاعُ كَمَا يَكُونُ بِالْحَبَلِ يَكُونُ بِعُذْرٍ آخَرَ فَجَازَ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ بِالْمَرَضِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ ثُمَّ حَبِلَتْ فَبَقِيَ إلَى سَنَتَيْنِ (وَمَنْ قَالَ إنْ نَكَحْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ نَكَحَهَا لَزِمَهُ) أَيْ الزَّوْجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute