احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ تَثْبُتُ؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَالْإِنْزَالُ لَا يُوجِبُ رَفْعَهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ وَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا تَثْبُتَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ حَالَ الْمَسِّ إلَى ظُهُورِ عَاقِبَتِهِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ حَرُمَتْ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْفَتْحِ.
[نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ]
(وَصَحَّ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ) حُرَّةً أَوْ أَمَةً إسْرَائِيلِيَّةً، أَوْ غَيْرَهَا ذِمِّيَّةً أَوْ حَرْبِيَّةً إلَّا أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ حَرْبِيَّةً فِي دَارِ الْحَرْبِ كُرِهَ فَقِيلَ إنَّمَا كُرِهَ إذَا قَصَدَ التَّوَطُّنَ بِهَا وَقِيلَ إذَا قَصَدَ الْوَطْءَ وَقِيلَ إذَا قَصَدَ اسْتِيلَادَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: ٥] .
وَفِي الْمُسْتَصْفَى وَقَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] أَيْ ذَبَائِحُهُمْ حِلٌّ لَكُمْ؛ وَلِأَنَّ الطَّعَامَ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ قَالُوا هَذَا يَعْنِي الْحِلَّ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ الْمَسِيحَ إلَهًا أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ فَلَا انْتَهَى.
وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا إلَهٌ وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ وَقِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى لَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلَائِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْأَكْلُ وَالتَّزَوُّجُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَا يَأْكُلَ ذَبِيحَتَهُمْ إلَّا لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْحُكَّامِ فِي دِيَارِنَا أَنْ يَمْنَعُوهُمْ مِنْ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ النَّصَارَى فِي زَمَانِنَا يُصَرِّحُونَ بِالْأَبْنِيَةِ قَبَّحَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَعَدَمُ الضَّرُورَةِ مُتَحَقِّقٌ وَالِاحْتِيَاطُ وَاجِبٌ لِأَنَّ فِي حِلِّ ذَبِيحَتِهِمْ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَالْأَخْذُ بِجَانِبِ الْحُرْمَةِ أَوْلَى عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ.
[نِكَاحُ الصَّابِئِيَّةِ]
(وَ) صَحَّ نِكَاحُ (الصَّابِئِيَّةِ) الْمُؤْمِنَةِ بِنَبِيٍّ، الصَّابِئِيَّةُ مَنْ صَبَأَ إذَا خَرَجَ مِنْ الدِّينِ، ثُمَّ الْوَصْفُ لِلتَّوْضِيحِ وَالتَّفْسِيرِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ لَا لِلتَّقْيِيدِ (الْمُقِرَّةِ بِكِتَابٍ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِلصَّابِئِيَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهَا فَمَنْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ مِنْ النَّصَارَى يَقْرَءُونَ بِكِتَابٍ وَيُعَظِّمُونَ الْكَوَاكِبَ كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِينَ الْكَعْبَةَ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَمَنْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَهَا كَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ وَمَا نُقِلَ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ كُلُّ مَنْ يَعْتَقِدُ دِينًا سَمَاوِيًّا وَلَهُ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ كَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ مَا لَمْ يُشْرِكُوا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
[نِكَاحُ عَابِدَةِ كَوْكَبٍ]
(لَا) يَصِحُّ نِكَاحُ (عَابِدَةِ كَوْكَبٍ) وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا مُشْرِكَةٌ (وَصَحَّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ) بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَ) صَحَّ نِكَاحُ (الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ) لِلْحُرِّ إذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] وقَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وقَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] (وَلَوْ) كَانَ (مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ) أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا وَلِلشَّافِعِيِّ خِلَافٌ فِي الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِنَاءً عَلَى مَفْهُومِ الْوَصْفِ، وَفِي الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ عِنْدَ دُخُولِ الْحُرَّةِ بِنَاءً عَلَى مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَكِلَا الْمَفْهُومَيْنِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ