بِنِيَّةٍ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ) مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا خِلَافًا لِمَالِكٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَعْدَ مَا كَانَ يُصْبِحُ غَيْرَ صَائِمٍ إنِّي إذَنْ لَصَائِمٌ» وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي اللَّيْلِ وَيَتَمَسَّكُ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ بَعْدَهُ أَيْضًا وَيَصِيرُ صَائِمًا حِينَ نَوَى إذْ هُوَ مُنْجِزٌ عِنْدَهُ لَكِنْ مِنْ شَرْطِهِ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ.
(وَالْقَضَاءُ) أَيْ قَضَاءُ رَمَضَانَ (وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ) غَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَالنَّذْرِ لِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شِبْهِهِ (وَالْكَفَّارَاتُ) أَيْ كَفَّارَةُ رَمَضَانَ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْقَتْلِ وَالْإِحْصَارِ وَالصَّيْدِ وَالْحَلْقِ وَمُتْعَةِ الْحَجِّ (لَا تَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ اللَّيْلِ) السَّابِقِ، وَلَوْ عِنْدَ الطُّلُوعِ بَلْ هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِالصَّوْمِ لَا تَقْدِيمُهَا، وَإِنَّمَا صَحَّ التَّقْدِيمُ لِلْعُسْرِ فَلَوْ نَوَى بَعْدَ الطُّلُوعِ كَانَ تَطَوُّعًا وَإِتْمَامُهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا قَضَاءَ بِإِفْطَارِهِ، وَلَوْ نَوَى لَيْلًا بِأَنْ يَصُومَ غَدًا ثُمَّ عَزَمَ فِي اللَّيْلِ عَلَى الْفِطْرِ لَمْ يَصِرْ صَائِمًا ثُمَّ إذَا أَفْطَرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ رَمَضَانُ، وَلَوْ نَوَى الصَّائِمُ الْفِطْرَ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت صَوْمَ غَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُبْطِلُ اللَّفْظَ وَالنِّيَّةُ فِعْلُ الْقَلْبِ وَصَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
[مَا يَثْبُتُ بِهِ رَمَضَانُ]
(وَيَثْبُتُ) رَمَضَانُ أَيْ دُخُولُهُ وَابْتِدَاؤُهُ (بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ بَعْدَ شَعْبَانَ) أَيْ بِأَنْ يُعَدَّ شَعْبَانُ (ثَلَاثِينَ) يَوْمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ الْهِلَالُ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَالْغَيْمُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الظُّهُورِ لِعِلَّةٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ لِقُرْبِهِ مِنْ الشَّمْسِ.
(وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» الْحَدِيثَ. وَمَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ وَلَا يُصَامُ الَّذِي شُكَّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا» لَا أَصْلَ لَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ خِلَافُهُ تَدَبَّرْ (إلَّا تَطَوُّعًا) أَيْ نَفْلًا بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي الْأَصَحِّ (وَهُوَ) أَيْ الصَّوْمُ (أَحَبُّ إنْ وَافَقَ) صَوْمُهُ مِنْ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ (صَوْمًا يَعْتَادُهُ) كَصَوْمِ يَوْمِ الْخَمِيسِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ آخِرِ شَهْرٍ، وَلَوْ صَامَ يَوْمَيْنِ كُرِهَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ يَصُومُ وَإِلَّا فَلَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ صَوْمًا يَعْتَادُهُ (فَيَصُومُ الْخَوَاصُّ) أَيْ الْعُلَمَاءُ أَوْ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ نِيَّتَهُ وَهِيَ أَنْ يَقْصِدَ التَّطَوُّعَ بِنِيَّةِ الْمُطْلَقِ أَوْ بِنِيَّةِ النَّفْلِ بِلَا قَصْدِ رَمَضَانَ (وَيُفْطِرُ غَيْرُهُمْ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ) نَفْيًا لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَفْتَى النَّاسَ يَوْمَ الشَّكِّ بِالْفِطْرِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «اُصْحُوَا يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرِينَ مُتَلَوِّمِينَ» أَيْ غَيْرَ آكِلِينَ وَلَا صَائِمِينَ قِيلَ الْأَفْضَلُ الْفِطْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute