لِهَدَايَا عِوَضًا لِلْهِبَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هِبَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِوَضًا، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْتَرِدَّ.
(وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ مِثْلُهَا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (لَا تَصِحُّ) الصَّدَقَةُ (بِدُونِ الْقَبْضِ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا مَقْبُوضَةً كَالْهِبَةِ (وَلَا) تَصِحُّ فِي مَشَاعٍ (يُقَسَّمُ) أَنْ يَحْتَمِلَ الْقِسْمَةَ كَسَهْمٍ مِنْ الدَّارِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ (وَلَا رُجُوعَ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّدَقَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا هُوَ الثَّوَابُ دُونَ الْعِوَضِ.
(وَلَوْ) كَانَتْ الصَّدَقَةُ (لِغَنِيٍّ) اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ الثَّوَابَ لِكَثْرَةِ عِيَالِهِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَاهِبُ: كَانَتْ هِبَةً وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ: صَدَقَةً فَالْقَوْل لِلْوَاهِبِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَلَامٌ، وَفِي حَاشِيَتِهِ لِلْمَوْلَى سَعْدِي جَوَابٌ فَلْيُطَالَعْ.
(وَلَا) رُجُوعَ (فِي الْهِبَةِ لِفَقِيرٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّوَابُ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِغَنِيٍّ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ لِعِوَضٍ دُنْيَوِيٍّ (لَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُهُ لِفُلَانٍ فَهُوَ هِبَةٌ) ؛ لِأَنَّ مَمْلُوكَهُ لَا يَصِيرُ لِغَيْرِهِ إلَّا بِتَمْلِيكِهِ.
(وَإِنْ قَالَ: مَا يَنْسُبُ إلَيَّ أَوْ مَا يَعْرِفُ لِي) فُلَانٌ (فَإِقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ التَّمْلِيكُ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ إنَّهُ مِلْكٌ لِفُلَانٍ وَلَكِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيَّ بِكَوْنِهِ فِي يَدَيَّ فَيَكُونُ إقْرَارًا.
وَفِي التَّنْوِيرِ هِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَإِبْرَاؤُهُ عَنْهُ يَتِمُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَاطِلٌ إلَّا إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ.
وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى لَمَّا سَأَلْته عَمَّنْ كَتَبَ قِصَّةً إلَى السُّلْطَانِ وَسَأَلَ مِنْهُ تَمْلِيكَ أَرْضٍ مَحْدُودَةٍ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِالتَّوْقِيعِ فَكَتَبَ كَاتِبُ السُّلْطَانِ عَلَى ظَهْرِ الْقِصَّةِ: إنِّي جَعَلْت الْأَرْضَ مِلْكًا لَهُ هَلْ تَصِيرُ الْأَرْضُ مِلْكًا لَهُ أَمْ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ السُّلْطَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَالَ: الْقِيَاسُ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ عَنْ السُّلْطَانِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ أُقِيمَ السُّؤَالُ بِالْقِصَّةِ مَقَامَ حُضُورِهِ، فَإِذَا أَمَرَ بِذَلِكَ وَأَخَذَ مِنْهُ بِالتَّوْقِيعِ تَمَلَّكَ.
[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]
ِ عَقَّبَهُ بِالْهِبَةِ تَرَقِّيًا مِنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَالْهِبَةَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ أَقْوَى وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ، فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرَ آجَرَ زَيْدٌ يَأْجُرُ بِالضَّمِّ أَيْ صَارَ أَجِيرًا إلَّا أَنَّهَا فِي الْأَغْلَبِ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْإِيجَارِ الْمَصْدَرُ يُقَامُ بَعْضُهَا مَقَامَ الْبَعْضِ فَيُقَالُ: آجَرْت إجَارَةً أَيْ أَكْرَيْتُهَا وَلَمْ يَجِئْ مِنْ فَاعِلٍ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ كَذَا فِي الرِّضَى.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: الْإِجَارَةُ فِعَالَةٌ مِنْ الْمُفَاعَلَةِ وَآجَرَ عَلَى وَزْنِ فَاعَلَ لَا أَفْعَلَ؛ لِأَنَّ الْإِيجَارَ لَمْ يَجِئْ مِنْهُ، وَالْمُضَارِعُ يُؤَاجِرُ، وَاسْمُ الْفَاعِلِ الْمُؤَاجِرُ وَعِنْدَ الْخَلِيلِ أَجَرْت زَيْدًا مَمْلُوكِي أُوجِرُهُ إيجَارًا وَفِي الْأَسَاسِ آجَرَ