إلَى مَوْتِهِ فَصَارَ كَهِبَةِ الْمُشَاعِ (بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْحَمْلَ (ثُمَّ وَهَبَهَا) أَيْ الْأَمَةَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ فِي الْوَلَدِ وَالْهِبَةِ فِي الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يَبْقَ عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ فَلَمْ تَشْتَغِلْ الْأَمَةُ غَيْرَ حَضَانَةِ الْوَلَدِ.
(وَمَنْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَالدَّيْنُ لَك أَوْ) قَالَ: (فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (أَوْ) قَالَ: (إنْ أَدَّيْت إلَيَّ نِصْفَهُ) أَيْ الدَّيْنِ (فَالْبَاقِي) أَيْ النِّصْفُ الْآخَرُ (لَك أَوْ) قَالَ لَهُ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ نِصْفَهُ (فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي (فَهُوَ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِسْقَاطٌ مِنْ وَجْهٍ؛ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَهَذَا تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَيَبْطُلُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ، وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ: إنْ كَانَ لِي عَلَيْك دَيْنٌ أَبْرَأْتُك عَنْهُ، وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا الْمَرِيضِ: إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِك هَذَا فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ مَهْرِي أَوْ قَالَتْ: مَهْرِي عَلَيْك صَدَقَةٌ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُخَاطَرَةٌ وَتَعْلِيقٌ، وَلَوْ قَالَ الطَّالِبُ لِمَدْيُونِهِ: إذَا مِتُّ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْك جَازَ وَيَكُونُ وَصِيَّةً مِنْ الطَّالِبِ لِلْمَطْلُوبِ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَالْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِلْمُعْمَرِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ (حَالَ حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهُوَ لِلْمُعْمَرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ» ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَلِوَرَثَتِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَفْسِيرِ الْعُمْرَى بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لَهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ، فَإِذَا مَاتَ رُدَّتْ) الدَّارُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَاهِبِ بَطَلَ شَرْطُ الرَّدِّ بَعْدَ الْمَوْتِ لِمَا مَرَّ.
(وَالرُّقْبَى) بِضَمِّ الرَّاءِ (بَاطِلَةٌ) ، فَإِنْ قَبَضَهَا كَانَتْ عَارِيَّةً (فِي يَدِهِ) هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَصِحُّ كَالْعُمْرَى) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُرْقِبَهَا» وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِرْقَابِ مَعْنَاهُ رَقَبَةُ دَارِي لَك، وَذَلِكَ جَائِزٌ لَكِنْ لَمَّا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ تَثْبُتْ الْهِبَةُ بِالشَّكِّ فَتَكُونُ عَارِيَّةً، ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَفْسِيرِهَا بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتُّ قَبْلَك فَلَكَ ذَلِكَ، وَإِنْ مِتَّ قَبْلِي فَلِي) فَيَتَرَقَّبُ كُلُّ وَاحِدٍ مَوْتَ صَاحِبِهِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ مَتَاعًا، وَبَعَثَتْ لَهُ أَيْضًا، ثُمَّ افْتَرَقَا بَعْدَ الزِّفَافِ، وَادَّعَى أَنَّهُ عَارِيَّةٌ، وَأَرَادَ الِاسْتِرْدَادَ وَأَرَادَتْ أَيْضًا يَسْتَرِدُّ كُلٌّ مَا أَعْطَى لِمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبَعَثَ هَدَايَا إلَيْهَا وَعُوِّضَتْ الْمَهْرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute