[بَابُ الْأَذَانِ]
ِ) هُوَ لُغَةً الْإِعْلَامُ مُطْلَقًا وَشَرْعًا إعْلَامُ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِوَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ وَالتَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا مَسْنُونٌ فَلَوْ غُيِّرَ التَّرْتِيبُ كَانَتْ الْإِعَادَةُ أَفْضَلَ وَسَبَبُهُ ابْتِدَاءُ أَذَانِ مَلَكٍ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، وَإِقَامَتُهُ حِينَ صَلَّى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إمَامًا بِالْمَلَائِكَةِ وَأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ السَّبَبَ رُؤْيَا مِنْ الصَّحَابَةِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَقِيلَ: نُزُولُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لِإِمْكَانِ ثُبُوتِهِ بِمَجْمُوعِهَا
(سُنَّ) سُنَّةً مُؤَكَّدَةً هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَاجِبٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِمُقَاتَلَةِ أَهْلِ بَلْدَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ وَأَبُو يُوسُفَ يُحْبَسُونَ وَيُضْرَبُونَ وَلَا يُقَاتَلُونَ (لِلْفَرَائِضِ) أَيْ فَرَائِضِ الرِّجَالِ - وَهِيَ الرَّوَاتِبُ الْخَمْسُ - وَقَضَائِهَا وَالْجُمُعَةِ (دُونَ غَيْرِهَا) أَيْ لَا يُسَنُّ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالتَّطَوُّعِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْوِتْرِ وَغَيْرِهَا.
(وَلَا يُؤَذَّنُ لِصَلَاةٍ قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ، وَفِي ذَلِكَ تَضْلِيلٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ الْأَذَانِ.
وَلَوْ أَقَامَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى الْفَوْرِ قَالُوا: إنْ طَالَ الْفَصْلُ يُعَادُ، وَإِلَّا لَا.
(وَيُعَادُ فِيهِ لَوْ فَعَلَ) أَيْ لَوْ أَذَّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ يُعَادُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْفَجْرِ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ الْأَذَانُ لِلْفَجْرِ قَبْلَ وَقْتِهِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةٍ، وَأُخْرَى عَنْهُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ «قَالَ يَا بِلَالُ لَا تُؤَذِّنْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» .
(وَيُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ) الْوَاحِدَةِ (وَيُقِيمُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى الْفَجْرَ بِآذَانٍ وَإِقَامَةٍ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي اكْتِفَائِهِ بِالْإِقَامَةِ فَقَطْ.
(وَكَذَا) يُؤَذِّنُ، وَيُقِيمُ (لِأُولَى الْفَوَائِتِ وَخُيِّرَ فِيهِ لِلْبَوَاقِي) إنْ شَاءَ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ فَقَطْ هَذَا إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ كِلَاهُمَا كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى.
وَفِي التَّبْيِينِ إنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَدَاءً وَقَضَاءً يُؤَذِّنُ لَهُ وَيُقِيمُ سَوَاءٌ أَدَّاهُ مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ إلَّا الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ أَدَّاهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ يُكْرَهُ.
(وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا مَعًا لِلْمُسَافِرِ) وَلَوْ مُنْفَرِدًا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا» وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا مَعًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ أَذَانُ الْمُنْفَرِدِ لَا يُكْرَهُ، وَأَمَّا أَذَانُ الْجَمَاعَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ (لَا) يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا مَعًا (لِمُصَلٍّ فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ) إذَا وُجِدَ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رِوَايَةٍ يَكْفِينَا أَذَانُ الْحَيِّ وَإِقَامَتُهُ.
(وَنُدِبَا) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةُ مَعًا (لَهُمَا) أَيْ الْمُسَافِرِ وَالْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا مَعًا لِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَنُدِبَا لَهُمَا يُخَالِفُ لِمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي تَرْكِ الْمَنْدُوبِ