أَرْض جَارِهِ) أَوْ غَرِقَتْ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ وَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا وَإِنَّمَا قُلْنَا لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِيهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْلَأَ أَرْضَهُ مَاءً وَيَسْقِيَهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ هَذَا إذَا سَقَى فِي نَوْبَتِهِ مِقْدَارَ حَقِّهِ وَأَمَّا إذَا سَقَى فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ أَوْ زَادَ عَلَى حَقِّهِ يَضْمَنُ عَلَى مَا قَالَ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ وَذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا سَقَى سَقْيًا غَيْرَ مُعْتَادٍ فَتَعَدَّى ضَمِنَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
(وَلَا يَضْمَنُ مَنْ سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ) لِأَنَّ الشِّرْبَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْإِمَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
وَفِي الزَّاهِدِيِّ مَنْ سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ يُرْفَعُ إلَى السُّلْطَانِ لِيُؤَدِّبَهُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَإِنْ أَخَذَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يُؤَدِّبُهُ السُّلْطَانُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ إنْ رَأَى ذَلِكَ.
[كِتَاب الْأَشْرِبَة]
ذَكَرَ الْأَشْرِبَةَ بَعْدَ الشِّرْبِ لِأَنَّهُمَا شُعْبَتَا عِرْقٍ وَاحِدٍ لَفْظًا وَمَعْنًى وَقَدَّمَ الشِّرْبَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ بَيَانُ حُرْمَتِهَا إذْ لَا شُبْهَةَ فِي حُسْنِ تَحْرِيمِ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ مَلَاكُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشُكْرُ إنْعَامِهِ فَإِنْ قِيلَ مَا بَالُهُ حَلَّ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ مَعَ احْتِيَاجِهِمْ إلَى ذَلِكَ قُلْتُ بِأَنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَحُرْمَةُ شُرْبِ الْقَلِيلِ عَلَيْنَا كَرَامَةً لَنَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِئَلَّا نَقَعَ فِي الْمَحْظُورِ وَنَحْنُ مَشْهُودٌ لَنَا بِالْحُرْمَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا سِوَى الْفُرُوجِ الْإِبَاحَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] وَقَالَ {كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا} [البقرة: ١٦٨] وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِعَارِضِ نَصٍّ مُطْلَقٍ أَوْ خَبَرٍ مَرْوِيٍّ فَمَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ الدَّلَائِلِ الْمُحَرِّمَةِ فَهِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَقَدْ دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: ٩٠] الْآيَةَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فَالشَّرَابُ لُغَةً اسْمٌ لِمَا يُشْرَبُ مَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَلَالًا أَوْ غَيْرَهُ وَاصْطِلَاحًا مَا هُوَ مُسْكِرٌ وَمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرَةٍ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ أَيْ شُرْبُ الْأَشْرِبَةِ وَأُصُولُهَا الثِّمَارُ كَالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحُبُوبَاتِ كَالْبُرِّ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْحَلَاوَاتِ كَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيذِ وَالْعَسَلِ وَالْأَلْبَانِ كَلَبَنِ الْإِبِلِ وَالرِّمَاكِ وَالْمُتَّخَذُ مِنْ الْعِنَبِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ أَوْ سِتَّةٌ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ الزَّبِيبِ اثْنَانِ وَمِنْ كُلِّ الْبَوَاقِي وَاحِدٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ وَمَطْبُوخٌ كَمَا سَيَأْتِي.
(تَحْرُمُ الْخَمْرُ) وَإِنْ قَلَّتْ (وَهِيَ النِّيُّ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute