وَلَوْ كَانَ عِدَةً لَجَازَ رُجُوعُهُ (وَالْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنُ لَا عَمَلُهُ) أَيْ عَمَلُ الصَّانِعِ.
وَقَالَ الْبَرْدَعِيُّ: عَمَلُهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ مُشْتَقٌّ مِنْ الصُّنْعِ وَهُوَ الْعَمَلُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعَيْنُ وَذِكْرُ الصَّنْعَةِ لِبَيَانِ الْوَصْفِ وَالْجِنْسِ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنَ - لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا بَعْدَ الْفَاءِ - لَا الْعَمَلَ، وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ الْعَيْنَ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَتَى) الصَّانِعُ (بِمَا صَنَعَهُ) قَبْلَ الْعَقْدِ (غَيْرُهُ أَوْ بِمَا صَنَعَهُ هُوَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ) أَيْ الْمُسْتَصْنِعُ الْعَيْنَ (صَحَّ) وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَمَلَهُ لَمَا صَحَّ بَيْعُهُ (وَلَا يَتَعَيَّنُ) الْمُسْتَصْنَعُ بِفَتْحِ النُّونِ (لِلْمُسْتَصْنِعِ) بِكَسْرِ النُّونِ (بِلَا اخْتِيَارِهِ) وَرِضَاهُ (فَيَصِحُّ بَيْعُ الصَّانِعِ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَصْنَعِ بِفَتْحِ النُّونِ (قَبْلَ رُؤْيَتِهِ) وَلَوْ تَعَيَّنَ لَهُ لَمَا صَحَّ بَيْعُهُ (وَلَهُ أَخْذُهُ وَتَرْكُهُ) أَيْ لِلْمُسْتَصْنِعِ بِكَسْرِ النُّونِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ.
وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.
(وَلَا يَصِحُّ) الِاسْتِصْنَاعُ بِلَا أَجَلٍ (فِيمَا لَمْ يَتَعَارَفْ) هُوَ فِيهِ (كَالثَّوْبِ) يَعْنِي لَوْ أَمَرَ حَائِكًا أَنْ يَنْسِجَ لَهُ ثِيَابًا بِغَزْلٍ مِنْ عِنْدِهِ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ إذْ لَمْ يَجُزْ فِيهِ التَّعَامُلُ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ؛ إلَّا إذَا شَرَطَ فِيهِ الْأَجَلَ وَبَيَّنَ شَرَائِطَ السَّلَمِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِطَرِيقِ السَّلَمِ.
وَفِي الْبَحْرِ دَفَعَ مُصْحَفًا إلَى مُذَهِّبٍ لِيُذَهِّبَهُ بِذَهَبٍ مِنْ عِنْدِهِ وَأَرَاهُ الذَّهَبَ أُنْمُوذَجًا مِنْ الْأَعْشَارِ وَالْأَخْمَاسِ وَرُءُوسِ الْآيِ وَأَوَائِلِ السُّوَرِ، فَأَمَرَهُ رَبُّ الْمُصْحَفِ أَنْ يُذَهِّبَهُ كَذَلِكَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا يَصِحُّ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اسْتَصْنَعَ رَجُلًا فِي شَيْءٍ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَصْنُوعِ، فَقَالَ الْمُسْتَصْنِعُ: لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُك وَقَالَ الصَّانِعُ فَعَلْتُ، قَالُوا: لَا يَمِينَ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ ادَّعَى الصَّانِعُ عَلَى رَجُلٍ: أَنَّك اسْتَصْنَعْتَ إلَيَّ فِي كَذَا كَذَا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ.
[مَسَائِل شَتَّى فِي الْبَيْع]
(مَسَائِلُ)
خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذِهِ مَسَائِلُ (شَتَّى) جَمْعُ شَتِيتٍ وَعَبَّرَ عَنْهَا فِي الْهِدَايَةِ بِمَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ، وَعَبَّرَ فِي التَّنْوِيرِ بِالْمُتَفَرِّقَاتِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَشَتَّتَتْ عَلَى الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَمْ تُذْكَرْ فِيهَا إذَا اُسْتُذْكِرَتْ سُمِّيَتْ بِهَا مُتَفَرِّقَاتٍ مِنْ أَبْوَابِهَا أَوْ مَنْثُورَةً عَلَى أَبْوَابِهَا.
(يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَسَائِرِ السِّبَاعِ عُلِّمَتْ) الْكَلْبُ وَالْفَهْدُ وَالسِّبَاعُ (أَوْ لَا) عِنْدَنَا لِحُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِهِمْ حِرَاسَةً أَوْ اصْطِيَادًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ حِرَاسَةً كَالْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، وَقَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهَكَذَا يَقُولُ فِي الْأَسَدِ - إذَا كَانَ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ وَيُصَادُ بِهِ -: إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ وَالِاصْطِيَادَ بِهِ لَا يَجُوزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute