وَالْفَهْدُ وَالْبَازِي يَقْبَلَانِ التَّعْلِيمَ فَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِجِلْدِهِ لِأَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَيَكُونُ الْمُتْلِفُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى فِي كَلْبٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِهِ بِنَوْعٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ.
وَأَمَّا اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ أَوْ لِحِفْظِ الزَّرْعِ أَوْ الْمَوَاشِي أَوْ الْبُيُوتِ فَجَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَاخْتَلَفَ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْقِرْدِ، وَكُرِهَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَجَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْفِيلُ كَالْهِرَّةِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَشِرَاءُ السِّبَاعِ جَائِزٌ، وَلَحْمِهَا لَا، وَبَيْعُ الْفِيلِ جَائِزٌ.
وَفِي التَّنْجِيسِ أَنَّ الْمُخْتَارَ لِلْفَتْوَى جَوَازُ بَيْعِ لَحْمِ الْمَذْبُوحِ مِنْ السِّبَاعِ، وَكَذَا الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فِي إطْعَامِ سِنَّوْرَةٍ، بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ الْمَذْبُوحِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، وَفِي التَّخْصِيصِ إشْعَارٌ بِعَدَمِ جَوَازِ هَوَامِّ الْأَرْضِ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَدَوَابِّ الْبَحْرِ غَيْرَ السَّمَكِ كَالضِّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ، لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ يَدُورُ مَعَ حِلِّ الِانْتِفَاعِ وَحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ بَيْعَ الْحَيَّةِ يَجُوزُ إذَا اُنْتُفِعَ بِهَا لِلْأَدْوِيَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَدْرَكَةٌ بِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَبَيْعُ غَيْرِ السَّمَكِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ كَالسَّقَنْقُورِ وَجُلُودِ الْخَزِّ وَنَحْوِهَا يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا.
(وَالذِّمِّيُّ فِي الْبَيْعِ كَالْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَالْمُسْلِمِ؛ بِمَعْنَى أَنَّ مَا يَحِلُّ لَنَا يَحِلُّ لَهُمْ وَأَنَّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فِي الْعُقُودِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَلَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ» (إلَّا فِي) بَيْعِ (الْخَمْرِ فَإِنَّهَا) أَيْ الْخَمْرَ (فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ (كَالْخَلِّ) فِي حَقِّنَا.
(وَ) إلَّا فِي (الْخِنْزِيرِ) فَإِنَّهُ (فِي حَقِّهِ كَالشَّاةِ) فِي حَقِّنَا، وَفِي الْبَحْرِ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فَإِنَّهُ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا شَرْعًا لَهُمْ فَكَانَ مَالًا فِي حَقِّهِمْ.
وَعَنْ الْبَعْضِ حُرْمَتُهُمَا ثَابِتَةٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ فِي الْحُرُمَاتِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً فِي حَقِّهِمْ لَكِنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ عَنْ بَيْعِهِمَا لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهُمَا وَيَتَمَوَّلُونَ بِهِمَا وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ.
(وَمَنْ زَوَّجَ مَشْرِيَّتَهُ) لِآخَرَ (قَبْلَ قَبْضِهَا جَازَ) لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمِلْكِ، فَيُجْعَلُ التَّصَرُّفُ بِالتَّزْوِيجِ فِي الْبَيْعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ فِي عَدَمِ الِانْفِسَاخِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ بِمِثْلِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذْ هُوَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ (فَإِنْ وُطِئَتْ) أَيْ إنْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا (كَانَ) الْوَاطِئُ (قَابِضًا لَهَا) لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا الزَّوْجُ (فَلَا) يَكُونُ قَابِضًا؛ إذْ بِمُجَرَّدِ التَّزْوِيجِ لَا يَتَحَقَّقُ الْقَبْضُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَحَقَّقَ