للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ جُوعٌ أَوْ عَطَشٌ أَوْ حَاجَةٌ) بِشَرْبَةٍ (كَفَّ عَنْ الْقَضَاءِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» .

وَفِي رِوَايَةٍ «وَهُوَ شَبْعَانُ» وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّفَكُّرِ، وَهَذِهِ الْأَعْرَاضُ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّفَكُّرِ فَلَا يُؤْمَنُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْخَطَأِ وَيُكْرَهُ لَهُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ يَوْمَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْجُوعِ، وَلَا يُتْعِبُ نَفْسَهُ بِطُولِ الْجُلُوسِ وَيَقْعُدُ طَرَفَيْ النَّهَارِ، وَإِذَا طَمِعَ فِي إرْضَاءِ الْخُصُومِ رَدَّهُمَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ أَنْفَذَ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ تَأْخِيرَهُ بَعْدَمَا ثَبَتَ ظُلْمٌ.

وَفِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ الْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ يَأْثَمُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ، وَيُعَزَّرُ وَيُكَفَّرُ إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ افْتِرَاضَ الْقَضَاءِ بَعْدَ تَوَفُّرِ شَرَائِطِهِ.

(، وَإِذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ الْخَصْمَانِ فَإِنْ شَاءَ قَالَ لَهُمَا) أَيْ لِلْخَصْمَيْنِ (مَا لَكُمَا، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ) وَالسُّكُوتُ أَحْسَنُ كَيْ لَا يَكُونَ تَهْيِيجًا لِلْخُصُومَةِ وَقَدْ قَعَدَ لِقَطْعِهَا (وَإِذَا تَكَلَّمَ أَحَدُهُمَا أَسْكَتَ الْآخَرَ) لِأَنَّهُمَا إذَا تَكَلَّمَا جُمْلَةً لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَهْمِ.

[فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ]

فَصَلِّ لَمَّا كَانَ الْحَبْسُ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَتَعَلَّقَ بِهِ أَحْكَامٌ أَفْرَدَهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ (وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ لِلْمُدَّعِي وَطَلَبَ) الْمُدَّعِي (حَبْسَ خَصْمِهِ فَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لَا يَحْبِسُهُ) أَيْ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ كَوْنَهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَلَعَلَّهُ طَمِعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالَ (إلَّا إذَا أَمَرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَبَى) فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ لِظُهُورِ الْمُمَاطَلَةِ.

(وَإِنْ ثَبَتَ) أَيْ الْحَقُّ الَّذِي ادَّعَاهُ وَلَوْ دَانِقًا (بِالْبَيِّنَةِ حَبَسَهُ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالدَّفْعِ) إنْ طَلَبَ الْخَصْمُ حَبْسَهُ لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِالْإِنْكَارِ.

وَقَالَ شُرَيْحٌ: يَحْبِسُهُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهِ (وَقِيلَ لَا) يُحْبَسُ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالدَّفْعِ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ رُبَّمَا تَعَلَّلَ بِهِ، وَيَقُولُ: مَا عَلِمْتُ إلَّا السَّاعَةَ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَصِفَةُ الْحَبْسِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ بِهِ فِرَاشٌ وَلَا طَاقٌ وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ لِلِاسْتِئْنَاسِ إلَّا أَقَارِبَهُ وَجِيرَانَهُ وَلَا يَمْكُثُونَ عِنْدَهُ طَوِيلًا وَلَا يَخْرُجُ لِجُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَلَا لِجَمَاعَةٍ وَلَا لِحَجِّ فَرْضٍ وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةٍ وَلَوْ بِكَفِيلٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ يَخْرُجُ بِالْكَفِيلِ لِجِنَازَةِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَفِي غَيْرِهِمْ لَا يَخْرُجُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا يَخْرُجُ لِمَوْتِ قَرِيبِهِ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ فَيَخْرُجُ حِينَئِذٍ لِقَرَابَةِ الْوِلَادِ.

وَفِي رِوَايَةٍ يَخْرُجُ وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُجَهِّزُهُ، وَلَا يُضْرَبُ الْمَحْبُوسُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى قَرِيبِهِ فَيُضْرَبُ، وَلَا يُغَلُّ إلَّا إذَا خِيفَ أَنَّهُ يَفِرُّ فَيُقَيِّدُهُ، وَلَا يُجَرَّدُ وَلَا يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ إهَانَةً، وَتَعْيِينُ مَكَانِ الْحَبْسِ لِلْقَاضِي إلَّا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي مَكَانًا آخَرَ (فَإِنْ ادَّعَى الْفَقْرَ حَبَسَهُ فِي كُلِّ مَا لَزِمَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>