أَخْبَرَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ لِمَا مَرَّ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبً لَا يَسَعُ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ بِنَاءِ مَكَّةَ) لِكَوْنِهِ مِلْكَ مَنْ بَنَاهَا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ بَنَى عَلَى الْأَرْضِ الْوَقْفِ جَازَ بَيْعُهُ فَهَذَا كَذَلِكَ (وَيُكْرَهُ بَيْعُ أَرْضِهَا) أَيْ أَرْضِ مَكَّةَ (وَإِجَارَتُهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَكَّةُ حَرَامٌ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا تُؤْجَرُ بُيُوتُهَا» وَلِأَنَّ الْحَرَمَ وَقْفُ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَكَلَ أُجُورَ أَرْضِ مَكَّةَ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ الرِّبَا» (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ لِظُهُورِ الِاخْتِصَاصِ الشَّرْعِيِّ بِهَا فَصَارَ كَالْبِنَاءِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبْعٍ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَرْضَهَا تُمَلَّكُ وَتَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَقَدْ تَعَارَفَ النَّاسُ بَيْعَ أَرَاضِيِهَا وَالدُّورِ الَّتِي فِيهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (وَقَوْلُهُمَا رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ) .
وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَبِهِ يُفْتَى.
[الِاحْتِكَار فِي أقوات الْآدَمِيِّينَ]
(وَيُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ) كَالْبُرِّ وَنَحْوِهِ (وَالْبَهَائِمِ) كَالشَّعِيرِ وَالتِّبْنِ (بِبَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا لَا يَضُرُّ بِأَهْلِهِ فَلَيْسَ بِمُحْتَكَرٍ لِأَنَّهُ حَبَسَ مِلْكَهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لَا يَخْتَصُّ بِالْأَقْوَاتِ بَلْ يُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ (فِي كُلِّ مَا يَضُرُّ احْتِكَارُهُ بِالْعَامَّةِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ (ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ثَوْبًا) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ الضَّرَرِ إذْ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْكَرَاهَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا احْتِكَارَ فِي الثِّيَابِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ حَبْسِ الْقُوتِ الْمَكْرُوهِ قِيلَ هِيَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ احْتَكَرَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» وَقِيلَ شَهْرٌ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ عَاجِلٌ كَمَا مَرَّ هَذَا فِي حَقِّ الْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا لَكِنَّ الْإِثْمَ يَلْزَمُ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ لِكَوْنِ التِّجَارَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute