مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَا أُصَلِّي عَصْرَ الْيَوْمِ فَيَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ الزِّنَا وَيُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَيُكَفِّرَ (وَمِنْهَا مَا يُفَضَّلُ فِيهِ الْحِنْثُ) عَلَى الْبِرِّ (كَهِجْرَانِ الْمُسْلِمِ وَنَحْوِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ (وَمَا عَدَا ذَلِكَ) مِمَّا لَا يُفَضَّلُ فِيهِ الْحِنْثُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا (يُفَضَّلُ فِيهِ الْبِرُّ) عَلَى الْحِنْثِ (حِفْظًا لِلْيَمِينِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: ٨٩] أَيْ عَنْ الْحِنْثِ (وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي) فَسَّرَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِالْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ نَاسِيًا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ فَحَلَفَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَالْمُكْرَهِ فِي الْحَلِفِ وَالْحِنْثُ) أَيْ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِهَا بَيْنَ الْمُكْرَهِ فِيهِمَا وَغَيْرِهِ أَمَّا فِي الْحَلِفِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ» وَأَمَّا فِي الْحِنْثِ فَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَكَذَا لَوْ فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
[الْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ]
(وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ (عِتْقُ رَقَبَةٍ) أَيْ إعْتَاقُهَا وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي الظِّهَارِ وَجْهَ الْعِتْقِ مَقَامَ الْإِعْتَاقِ فَمِنْ الظَّنِّ الْحَسَنِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ (أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَمَا فِي عِتْقِ الظِّهَارِ) أَيْ يُجْزِئُ فِيهَا مَا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ مِنْ الرَّقَبَةِ كَمَا بَيَّنَ فِي الظِّهَارِ (وَإِطْعَامُهُ) أَيْ يُجْزِئُ فِيهَا مَا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ مِنْ الْإِطْعَامِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ أَيْضًا (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) أَيْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ (كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الْعَشَرَةِ (ثَوْبًا) جَدِيدًا أَوْ خَلَقًا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْجَدِيدِ (يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ) أَيْ أَكْثَرَهُ وَهُوَ أَدْنَاهُ وَذَلِكَ قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَلَكِنْ مَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ يُجْزِيهِ عَنْ الْإِطْعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (هُوَ الصَّحِيحُ) الْمَرْوِيُّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ لَابِسَ مَا يَسْتُرُ بِهِ أَقَلَّ الْبَدَن يُسَمَّى عَارِيًّا عُرْفًا فَلَا يَكُونُ مُكْتَسِيًا (فَلَا يُجْزِئُ السَّرَاوِيلُ) .
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَدْنَى الْكِسْوَةِ مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَتَجُوزُ السَّرَاوِيلُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لِلرَّجُلِ يَجُوزُ وَلِلْمَرْأَةِ لَا يَجُوزُ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَا فِي الْمَتْنِ، ثُمَّ إنَّ الْأَصْلَ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] الْآيَةَ وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ (فَإِنْ عَجَزَ) الظَّاهِرُ بِالْوَاوِ (عَنْ أَحَدِهَا) أَيْ عَنْ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (عِنْدَ الْأَدَاءِ) أَيْ عِنْدَ إرَادَةِ الْأَدَاءِ لَا عِنْدَ الْحِنْثِ، حَتَّى لَوْ حَنِثَ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ حَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْسَرَ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ، وَيُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّوْمِ، فَلَوْ صَامَ الْمُعْسِرُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْحِنْثِ (صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) حَتَّى لَوْ مَرِضَ فِيهَا وَأَفْطَرَ أَوْ حَاضَتْ اسْتَقْبَلَ بِخِلَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute