الْمُخْتَلِفَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ.
[كِتَاب الرَّهْن]
وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ كِتَابِ الرَّهْنِ وَكِتَابِ الصَّيْدِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ حُصُولُ النَّظَرِ لِجَانِبِ الدَّائِنِ وَالْمَدْيُونِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهَا دِرْعَهُ» وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَقْدُ وَثِيقَةٍ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيُعْتَبَرُ بِالْوَثِيقَةِ فِي طَرَفِ الْوُجُوبِ وَهِيَ الْكَفَالَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (هُوَ) أَيْ الرَّهْنُ لُغَةً الْحَبْسُ مُطْلَقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨] أَيْ مَحْبُوسَةٌ بِجَزَاءِ عَمَلِهَا وَيُقَالُ قَلْبُ الْمُحِبِّ رَهْنٌ عِنْدَ حَبِيبِهِ وَقِيلَ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا أَيِّ شَيْءٍ كَانَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَقَدْ يُطْلَقُ الرَّهْنُ عَلَى الْمَرْهُونِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ وَحِينَئِذٍ يُجْمَعُ عَلَى رِهَانٍ وَرُهُونٍ وَرُهُنٍ وَشَرْعًا (حَبْسُ شَيْءٍ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ (كَالدَّيْنِ) أَيْ مِثْلُ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى إذَا ارْتَهَنَ بِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا كَالرَّهْنِ بِالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَالْمُرَادُ بِالشَّيْءِ هُنَا الْمَالُ وَلِذَا قَالَ الْبَعْضُ هُوَ حَبْسُ الْمَالِ بِحَقٍّ كَمَا قِيلَ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ فَصَارَ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْعُمُومِ إلَى الْخُصُوصِ وَيُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا مَا يَعُمُّ الدَّيْنَ الْوَاجِبَ حَقِيقَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ كَالدُّيُونِ فِي الذِّمَّةِ أَوْ حُكْمًا كَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا مِثْلِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ الْمِثْلُ وَالْقِيمَةُ وَمَالُهُمَا إلَى الدَّيْنِ وَلِهَذَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ قِيمَتِهِ هَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا عِبَارَةُ الضَّمَانِ فَرَدُّ الْعَيْنِ وُجُودُهَا خَلَاصٌ عَنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ الْغَيْرِ الْمَضْمُونَةِ كَالْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَبِخِلَافِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِي الْإِصْلَاحِ.
وَفِي الشَّرِيعَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ لَا حَبْسُ الشَّيْءِ بِحَقٍّ لِأَنَّ الْحَابِسَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ لَا الرَّاهِنُ بِخِلَافِ الْجَاعِلِ إيَّاهُ مَحْبُوسًا انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّازِمَ فِي الرَّهْنِ الشَّرْعِيِّ كَوْنُهُ مَقْبُولًا وَمَحْبُوسًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ إذْ مُجَرَّدُ جَعْلِ الرَّاهِنِ الشَّيْءَ مَحْبُوسًا لَا يُفِيدُ بِدُونِ مُطَاوَعَةِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ آخِذٌ الْحَقَّ مِنْهُ تَدَبَّرْ (وَيَنْعَقِدُ) الرَّهْنُ (بِإِيجَابٍ) مِنْ الرَّاهِنِ بِأَنْ قَالَ رَهَنْتُكَ هَذَا الْمَالَ بِدَيْنٍ لَكَ عَلَيَّ (وَقَبُولٍ) مِنْ الْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْعَقْدِ غَيْرَ لَازِمٍ لُزُومًا شَرْعِيًّا (وَيَتِمُّ بِالْقَبْضِ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَبُولِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ شَرْطٌ وَالظَّاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ رُكْنٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِيجَابُ رُكْنٌ وَالْقَبُولُ شَرْطٌ أَمَّا الْقَبْضُ فَشَرْطُ اللُّزُومِ.
وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute