الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ الْجَوَازِ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ شَرْطُ اللُّزُومِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْكَنْزِ وَلَزِمَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ انْتَهَى وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الرَّهْنَ لَا يَلْزَمُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَلَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِهِمَا فَيَلْزَمُ بِهِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاللُّزُومِ هُوَ الِانْعِقَادُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَيَتِمُّ بِقَبْضِهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ لَمَا قَالَ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ إذْ اللَّازِمُ لَا يَحْتَاجُ فِي تَمَامِهِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ تَدَبَّرْ (مَحُوزًا) أَيْ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ حَالَ كَوْنِهِ مَجْمُوعًا احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ وَرَهْنِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَحُزْهُ أَيْ لَمْ يَجْمَعْهُ وَلَمْ يَضْبِطْهُ حَالَ كَوْنِهِ (مُفْرَغًا) عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ عَكْسِهِ وَهُوَ رَهْنُ الشَّجَرِ دُونَ الثَّمَرِ وَرَهْنُ الْأَرْضِ دُونَ الزَّرْعِ وَرَهْنُ دَارٍ فِيهَا مَتَاعُ الرَّاهِنِ حَالَ كَوْنِهِ (مُمَيَّزًا) عَنْ اتِّصَالِهِ بِغَيْرِهِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْمَشَاعِ كَرَهْنِ نِصْفِ الْعَبْدِ أَوْ الدَّارِ وَفِي الدُّرَرِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي هِيَ الْمُنَاسِبَةُ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا مَا قِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْمَشَاعِ وَالثَّانِيَ عَنْ الْمَشْغُولِ وَالثَّالِثَ عَنْ رَهْنِ ثَمَرٍ عَلَى الشَّجَرِ دُونَ الشَّجَرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ النَّظَرِ تَدَبَّرْ.
(وَالتَّخْلِيَةُ) هِيَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (فِيهِ) أَيْ فِي الرَّهْنِ (وَفِي الْبَيْعِ قَبْضٌ) أَيْ فِي حُكْمِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ حَتَّى إذَا وُجِدَتْ مِنْ الرَّاهِنِ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَضَاعَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ كَمَا أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الْبَيْعِ قَبْضٌ كَذَلِكَ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَقْدِرُ عَلَى التَّخْلِيَةِ دُونَ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ لِكَوْنِهِ فِعْلَ الْغَيْرِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ وَلِذَا قِيلَ التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمٌ إلَّا أَنَّ ذِكْرَ الْقَبْضِ هُنَا أَبْلَغُ وَأَنْسَبُ مِنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ الْقَبْضَ كَانَ مَنْصُوصًا فِيهِ فَصَارَ مَخْصُوصًا بِهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَبْضَ لَا يَثْبُتُ بِهَا فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ كَمَا فِي الْغَصْبِ لِأَنَّ الْقَبْضَ هُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ قِيلَ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ الْمَشْرُوعِ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْغَصْبِ الْمَمْنُوعِ.
وَفِي الْمِنَحِ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكْفِي التَّخْلِيَةُ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ إذَا الْقَبْضُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمَشَايِخُ عَلَى شَرْطِيَّةِ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِالرَّهْنِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ مَتَى قُرِنَ بِالْفَاءِ فِي مَحَلِّ الْجَزَاءِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ كَمَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَنْصُوصَ يُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ قُلْتُ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْصُوصَ إنَّمَا يُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ إذَا نُصَّ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْلَالِ وَأَمَّا إذَا ذُكِرَ تَبَعًا لِلْمَنْصُوصِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى وُجُودُهُ كَمَا ذُكِرَ فَإِنَّ التَّرَاضِيَ فِي الْبَيْعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: ٢٩] فَلَوْ صَحَّ مَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ لَبَطَلَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ وَلَمْ يَفْسُدْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute