للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ]

لَا يَخْفَى عَلَيْك حُسْنُ تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ عَنْ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ قِيلَ: الْأَدَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَالْقَضَاءُ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِهِ وَقَدْ يَسْتَعْمِلُ إحْدَى الْعِبَارَتَيْنِ مَقَامَ الْأُخْرَى وَقِيلَ: يَجِبُ الْقَضَاءُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَقِيلَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَفِيهِ بَحْثٌ قَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (التَّرْتِيبُ) عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ جَاهِلًا وَعَنْ الْحَسَنِ عِنْدَ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ يَجِبْ وَبِهِ أَخَذَ الْأَكْثَرُونَ (بَيْنَ الْفَائِتَةِ) فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا.

(وَالْوَقْتِيَّةِ) وَكَذَا (بَيْنَ الْفَوَائِتِ شَرْطٌ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَصْلًا لَا بَيْنَ الْفَوَائِتِ وَلَا بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ جَوَازُهُ عَلَى جَوَازِ غَيْرِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي ذَكَرَهَا ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ» فَإِنْ قِيلَ الْكَلَامُ فِي فَرْضِيَّةِ التَّرْتِيبِ وَالْحَدِيثُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ قُلْنَا: هُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ اعْتِقَادًا حَتَّى لَا يُكَفَّرَ جَاحِدُهُ وَلَكِنَّهُ وَاجِبٌ فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ وَمِثْلُهُ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَمَا أَخَّرَ الْمَغْرِبَ الَّتِي يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا لِأَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ» (فَلَوْ صَلَّى) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ (فَرْضًا) حَالَ كَوْنِهِ (ذَاكِرًا فَائِتَةً فَسَدَ فَرْضُهُ مَوْقُوفًا عِنْدَهُ) لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى بَعْدَهُ سِتَّ صَلَوَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَقْضِ الْفَائِتَةَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَوْ قَضَى الْفَائِتَةَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ سِتَّةُ أَوْقَاتٍ بَطَلَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَانْقَلَبَ نَفْلًا (وَعِنْدَهُمَا) فَسَدَ فَرْضُهُ فَسَادًا (بَاتًّا) أَيْ قَطْعِيًّا لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَسَدَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَانْقَلَبَ نَفْلًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَصْلُ الصَّلَاةِ.

(فَلَوْ قَضَاهَا) أَيْ الْفَائِتَةَ (قَبْلَ أَدَاءِ سِتٍّ) مِنْ الصَّلَوَاتِ (بَطَلَتْ فَرْضِيَّةُ مَا صَلَّى) بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ تَصِيرُ نَفْلًا وَعِنْدَهُ يَبْطُلُ أَصْلُهَا كَمَا بَيَّنَ آنِفًا.

(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ الْفَائِتَةَ حَتَّى أَدَّى سَادِسًا (صَحَّتْ عِنْدَهُ) لِأَنَّ الْكَثْرَةَ صِفَةٌ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَإِذَا ثَبَتَتْ صِفَةٌ اسْتَنَدَتْ إلَى أَوَّلِهَا بِحُكْمِهَا وَهُوَ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ فِي آحَادِهَا كَمَا سَقَطَ فِي أَعْيَانِهَا وَهَذَا كَمَرَضِ الْمَوْتِ لَمَّا ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ بِاتِّصَالِهِ بِالْمَوْتِ اسْتَنَدَ إلَى أَوَّلِهِ بِحُكْمِهِ.

وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ عَدَمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>