هُنَا لَيْسَ بِرِبْحٍ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَقْتَضِي الْمُجَانَسَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا مُجَانَسَةَ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْعَمَلُ وَالرِّبْحُ مَالٌ فَكَانَ بَدَلَ الْعَمَلِ كَمَا بَيَّنَّا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ عِنَانٌ وَمُفَاوَضَةٌ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ الشَّرَائِطِ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْعِنَانِ فَإِنَّهُ الْمُتَعَارَفُ كَمَا فِي الْكَافِي.
(وَكُلُّ عَمَلٍ تَقَبَّلَهُ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ لِأَنَّهُ تَقَبَّلَهُ لِنَفْسِهِ بِالْأَصَالَةِ وَلِشَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ (فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الطَّلَبُ بِالْعَمَلِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا طَلَبُ الْأَجْرِ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ) أَيْ بِدَفْعِ الْأَجْرِ (إلَى أَحَدِهِمَا) وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُفَاوَضَةِ وَفِي غَيْرِهَا اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ وَالشَّرِكَةُ هُنَا مُطْلَقَةٌ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلضَّمَانِ أَلَّا يَرَى أَنَّ مَا يَتَقَبَّلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ عَلَى الْآخَرِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ.
(وَ) يَكُونُ (الْكَسْبُ) أَيْ الْأَجْرُ (بَيْنَهُمَا وَإِنْ عَمَلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ) أَمَّا الَّذِي عَمِلَ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِالتَّقَبُّلِ وَكَانَ ضَامِنًا لَهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِالضَّمَانِ وَلُزُومِ الْعَمَلِ.
[شَرِكَةِ الْوُجُوهِ]
(وَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ) أَيْ شَرِكَةِ ابْتِذَالِ الشُّرَكَاءِ إذْ لَا مَالَ لَهُمْ وَلَا عِلْمَ وَلِذَا يُقَالُ لَهَا شَرِكَةُ الْمَفَالِيسِ وَفِيهِ مَجَازٌ مِنْ وُجُوهٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَوْ لِأَنَّ بِنَاءَهَا عَلَى وَجَاهَتِهِمَا بَيْنَ النَّاسِ وَشُهْرَتِهِمَا بِحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ إذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشِّرَاءِ نَسِيئَةً فَسُمِّيَتْ بِهَا (وَهِيَ) أَيْ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ (أَنْ يَشْتَرِكَا وَلَا مَالَ لَهُمَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا) أَيْ لِيَشْتَرِيَا بِلَا نَقْدِ الثَّمَنِ بِسَبَبِ وَجَاهَتِهِمَا وَأَمَانَتِهِمَا عِنْدَ النَّاسِ، وَصِيغَةُ الْجَمْعِ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] (وَيَبِيعَا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَايَعَانِ فَمَا حَصَلَ بِالْبَيْعِ يَدْفَعَانِ مِنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا بِالشِّرَاءِ وَمَا فَضُلَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (فَإِنْ شَرَطَاهَا مُفَاوَضَةً) أَيْ نَصَّا عَلَى الْمُفَاوَضَةِ أَوْ ذَكَرَا جَمِيعَ مَا تَقْتَضِيهِ الْمُفَاوَضَةُ وَاجْتَمَعَتْ فِيهَا شَرَائِطُهَا (صَحَّتْ) فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْمُفَاوَضَةِ فَتَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ وَالْكَفَالَةَ (وَمُطْلَقُهَا) أَيْ مُطْلَقُ هَذِهِ الشَّرِكَةِ (عِنَانٌ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ إلَّا أَنَّ تَخْصِيصَ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ بِذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ وَالْأَحْسَنُ بَيَانُ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى وَجْهٍ يَتَنَاوَلُ شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ أَيْضًا إذْ هُوَ يَجْرِي فِيهِمَا كَمَا مَرَّ تَدَبَّرْ (وَتَتَضَمَّنُ) هَذِهِ الشَّرِكَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (الْوَكَالَةَ) فَقَطْ (فِيمَا يَشْتَرِيَانِهِ) إذْ لَا يَتَمَكَّنُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْوَكَالَةِ.
(فَإِنْ شَرَطَا) فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ (مُنَاصَفَةَ الْمُشْتَرَى) بَيْنَهُمَا بِالْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ (أَوْ مُثَالَثَتَهُ) أَيْ الْمُشْتَرَى فِي الْعِنَانِ (فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ) مُشْتَرَكٌ مُنَاصَفَةً أَوْ مُثَالَثَةً (وَشَرْطُ الْفَضْلِ) فِي الرِّبْحِ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ (بَاطِلٌ) إذْ الضَّمَانُ هُنَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ فِي الْمُشْتَرَى فَالرِّبْحُ الزَّائِدُ عَلَى الْمِلْكِ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute