لِفَرْضِيَّةِ الِاسْتِمَاعِ إلَّا إذَا قَرَأَ قَوْله تَعَالَى {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٥٦] الْآيَةَ فَيُصَلِّي سِرًّا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (وَالنَّائِي) أَيْ الْبَعِيدُ الَّذِي لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ (وَالدَّانِي) أَيْ الْقَرِيبُ (سَوَاءٌ) فِي وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ.
[فَصْلٌ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ]
فَصْلٌ
(الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ مِصْرٍ لَقُوتِلُوا وَإِذَا تَرَكَ وَاحِدٌ ضُرِبَ وَحُبِسَ وَلَا يُرَخَّصُ لِأَحَدٍ تَرْكُهَا إلَّا لِعُذْرٍ مِنْهُ الْمَطَرُ وَالطِّينُ وَالْبَرْدُ الشَّدِيدُ وَالظُّلْمَةُ الشَّدِيدَةُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فَرِيضَةٌ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِيهَا فِي قَوْلٍ عَنْهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْهُمَا.
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَلَكِنْ غَيْرُ شَرْطٍ لِجَوَازِهَا فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ وَلَكِنْ يَأْثَمُ فَيَؤُولُ إلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ الْوُجُوبَ.
وَفِي الْمُفِيدِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ لَكِنْ إنْ فَاتَتْهُ جَمَاعَةٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِزَوْجَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ فَقَدْ أَتَى بِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ.
[أَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ]
(وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) أَيْ بِمَا يُصْلِحُ الصَّلَاةَ وَيُفْسِدُهَا وَقَيَّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ تَقْدِيمَ الْأَعْلَمِ بِغَيْرِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، وَأَمَّا الرَّاتِبُ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْقَهَ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْكَلَامُ فِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ.
وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَوْلَى، وَكَذَا إمَامُ الْحَيِّ إلَّا إذَا كَانَ الضَّعِيفُ ذَا سُلْطَانٍ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعِلْمِ (أَقْرَؤُهُمْ) أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِالتَّجْوِيدِ وَالْمُرَاعِي لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَحْفَظَهُمْ لِلْقُرْآنِ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْعَكْسِ) فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْأَوْلَى أَقْرَؤُهُمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» لَهُمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْعِلْمِ أَشَدُّ حَتَّى إذَا عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ فَكَانَ أَوْلَى.
وَفِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَ الْقُرْآنَ بِأَحْكَامِهِ فَكَانَ أَقْرَؤُهُمْ أَعْلَمَهُمْ.
وَفِي زَمَانِنَا أَنَّهُ أَكْثَرُ مَنْ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ لَا حَظَّ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ فَالْأَعْلَمُ أَوْلَى لَكِنْ هَذَا بَعْدَمَا يُحْسِنُ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا تَقُومُ بِهِ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يُطْعَنْ فِي دِينِهِ، (ثُمَّ أَوَرَعُهُمْ) أَيْ أَشَدُّهُمْ اجْتِنَابًا عَنْ الشُّبُهَاتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ» (ثُمَّ أَسَنُّهُمْ) أَيْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا؛ لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْشَعُ مِنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْأَقْدَمُ إسْلَامًا فَعَلَى هَذَا لَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ، وَالْآخَرُ أَوَرَعَ فَالْأَكْبَرُ أَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِسْقٌ ظَاهِرٌ (ثُمَّ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) أَيْ أَحْسَنُهُمْ فِي الْمُعَاشَرَةِ مَعَ إخْوَانِهِ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا أَيْ أَكْثَرُهُمْ صَلَاةً بِاللَّيْلِ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ