فَالِاخْتِلَافُ فِي الذِّمِّيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْأَحْكَامِ عِنْدَهُ وَمُخَاطَبُونَ عِنْدَهُمَا وَأَمَّا الْمُهَاجِرَةُ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ نَحْوُ الْمَوْتِ وَمُطَاوَعَةِ ابْنِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَكَذَا بِسَبَبِ التَّبَايُنِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَاجَرَ الرَّجُلُ وَتَرَكَهَا لِعَدَمِ التَّبْلِيغِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ كَانَ فِيهَا حَقُّ بَنِي آدَمَ وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ حَتَّى كَانَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا؛ لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ وَعَنْهُ جَوَازُ نِكَاحِ الْحَرْبِيَّةِ وَلَا تُوطَأُ حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
[فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ]
ِ (تُحَدُّ) أَيْ تَتَأَسَّفُ وُجُوبًا عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ مِنْ أَحَدَّتْ الزَّوْجَةُ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدَّةٌ أَوْ مِنْ يَحُدُّ بِالضَّمِّ أَوْ الْكَسْرِ حِدَادًا فَهِيَ حَادَّةٌ أَيْ امْتَنَعَتْ مِنْ الزِّينَةِ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (مُعْتَدَّةُ الْبَائِنِ) بِالطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ أَوْ الْإِيلَاءِ أَوْ اللِّعَانِ أَوْ بِفُرْقَةٍ أُخْرَى فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهَا لِلطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ التَّزَيُّنُ لِتَرْغِيبِ الزَّوْجِ.
(وَ) مُعْتَدَّةُ (الْمَوْتِ إنْ كَانَتْ مُكَلَّفَةً) مُسْلِمَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَجْنُونَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يُخَاطَبُ بِهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ عَلَى غَيْرِ الزَّوْج كَالْوَلَدِ وَالْأَبَوَيْنِ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ قِيلَ أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ إبَاحَتِهِ لِلْمُسْلِمَاتِ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْإِحْدَادُ فِي الْمَوْتِ فَقَطْ وَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ كَافِرَةً تَحْتَ مُسْلِمٍ (بِتَرْكِ الزِّينَةِ) ظَرْفُ تَحُدُّ وَالزِّينَةُ مَا تَزَيَّنَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كُحْلٍ كَمَا فِي الْكَشَّافِ فَقَدْ اسْتَدْرَكَ مَا بَعْدَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَ) تَرْكُ (لُبْسِ) الثَّوْبِ (الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ) أَيْ الْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْعُصْفُرُ بِالضَّمِّ إذْ يَفُوحُ مِنْهُمَا رَائِحَةُ الطِّيبِ هَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ جَدِيدًا تَقَعُ بِهِ الزِّينَةُ أَمَّا إذَا كَانَ خَلَقًا لَا تَحْصُلُ بِهِ الزِّينَةُ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ.
(وَ) تَرْكُ (الطِّيبِ) أَيْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ بِأَنْوَاعِهِ وَلَوْ لِلتَّجْرِبَةِ (وَالدَّهْنِ) مُطْلَقًا وَلَوْ غَيْرَ مُطَيِّبٍ، وَالدَّهْنُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ مِنْ دَهَنَ يَدْهُنُ وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ (وَالْكُحْلِ) بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ أَيْ الِاكْتِحَالُ بِهِ (وَالْحِنَّاءِ) أَيْ الِاخْتِضَابِ بِهِ (إلَّا مِنْ عُذْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ فَقِيرَةً لَا تَجِدُ إلَّا أَحَدَ هَذِهِ الْأَثْوَابِ أَوْ بِهَا حَكَّةٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ قَمْلٌ فَتَلْبَسُ الْحَرِيرَ لِأَجْلِهَا أَوْ اشْتَكَتْ رَأْسَهَا أَوْ عَيْنَهَا أَوْ اعْتَادَتْ الدَّهْنَ أَوْ اكْتَحَلَتْ لِلْمُعَالَجَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute