للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بَابُ الْبُغَاةِ]

ِ أَيْ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْبُغَاةِ جَمْعُ الْبَاغِي مِنْ الْبَغْيِ وَهُوَ التَّجَاوُزُ عَنْ الْحَدِّ.

وَفِي الْفَتْحِ الْبَغْيُ فِي اللُّغَةِ الطَّلَبُ تَقُولُ بَغَيْت كَذَا أَيْ طَلَبْته قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: ٦٤] ثُمَّ اشْتَهَرَ فِي الْعُرْفِ فِي طَلَبِ مَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ.

وَفِي التَّنْوِيرِ هُوَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْإِمَامُ يَصِيرُ إمَامًا بِالْمُبَايَعَةِ مَعَهُ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْأَعْيَانِ وَبِأَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ فِي رَعِيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ قَهْرِهِ وَجَبَرُوتِهِ فَإِنْ بَايَعَ النَّاسَ وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِيهِمْ لِعَجْزِهِ عَنْ قَهْرِهِمْ لَا يَصِيرُ إمَامًا فَإِذَا صَارَ إمَامًا فَاجِرًا لَا يَنْعَزِلُ إنْ كَانَ لَهُ قَهْرًا وَغَلَبَةً وَإِلَّا يَنْعَزِلُ (إذَا خَرَجَ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ) أَيْ الْخَلِيفَةِ الْعَدْلِ لَا عَنْ أَمِيرٍ ظَلَمَ بِهِمْ فَلَوْ خَرَجُوا عَلَيْهِ لَظَلَمَ ظُلْمَهُمْ فَلَيْسُوا بِبُغَاةٍ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (وَتَغَلَّبُوا عَلَى بَلَدٍ) .

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ أَهْلَ بَغْيٍ وَإِنْ كَانَ مَنَعَةُ الْإِمَامِ أَقَلَّ مِنْ مَنَعَتِهِمْ لِأَنَّ الْمَنَعَةَ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَإِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا ظَانِّينَ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْإِمَامُ عَلَى الْبَاطِلِ مُتَمَسِّكِينَ بِشُبْهَةٍ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِأَنَّهُمْ غَيْرُ فَاسْقِينَ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُبْهَةٌ فَهُمْ فِي حُكْمِ اللُّصُوصِ وَإِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُسْلِمِينَ وَأَنَّهُمْ مُرْتَكِبُونَ لِلْكَبِيرَةِ فَإِنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فَرْضٌ وَإِلَى أَنَّ الْإِمَامِ لَا يُطَاعُ فِي مَعْصِيَةٍ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (دَعَاهُمْ) الْإِمَامُ (إلَى الْعَوْدِ) أَيْ إلَى طَاعَتِهِ وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَإِنَّ أَهْلَ الْعَدْلِ لَوْ قَاتَلُوهُمْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَى الْعَوْدِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا يُقَاتِلُوهُمْ عَلَيْهِ فَحَارَبَهُمْ كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ (وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ) الَّتِي اسْتَنَدُوا إلَيْهَا فِي خُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ الْأَمْرَيْنِ فَإِذَا أَجَابُوا إلَى الطَّاعَةِ تَمَّ الْمَرَامُ وَإِنْ قَالُوا فَعَلْنَا لِظُلْمِك فَالْإِمَامُ أَزَالَهُ وَإِلَّا وَالنَّاسُ لَا يُعِينُونَ الْإِمَامَ وَالْبُغَاةَ (وَبَدَأَهُمْ) الْإِمَامُ (بِالْقِتَالِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَبْدَءُوا بِالْقِتَالِ (لَوْ تَحَيَّزُوا) أَيْ اتَّخَذُوا حَيِّزًا أَيْ مَكَانًا (مُجْتَمِعِينَ) فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ عَنْ أَصْحَابِنَا (وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْقُدُورِيُّ (لَا) أَيْ لَا يَبْدَأُ بِقِتَالِهِمْ (مَا لَمْ يَبْدَءُوا) أَيْ الْبُغَاةُ بِالْقِتَالِ فَإِنْ بَدَءُوهُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى يُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ وَلَنَا أَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ عَلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ تَعَسْكُرُهُمْ وَاجْتِمَاعُهُمْ فَإِنَّ صَبْرَ الْإِمَامِ إلَى بَدْئِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُ شَرِّهِمْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَجَبَ كَسْرُ مَنَعَتِهِمْ بِلَا سِلَاحٍ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِالْقِتَالِ بِالسِّلَاحِ، وَفِي الْكَشْفِ إنْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ بِالْقَتْلِ وَالْحَبْسِ وَإِلَّا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ قُوَّةُ الْقِتَالِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ مَعَ الْإِمَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>