للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ مُؤَجِّرٌ وَلَمْ يَقُلْ مُؤَاجِرٌ، فَإِنَّهُ غَلَطٌ وَمُسْتَعْمَلٌ فِي مَوْضِعٍ قَبِيحٍ، وَقَدْ جَوَّزَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي مُقَدِّمَةِ الْأَدَبِ كَوْنَ آجَرَهُ الدَّارَ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَالْمُفَاعَلَةِ مَعًا.

وَفِي الْإِصْلَاحِ (هِيَ) أَيْ الْإِجَارَةُ (بَيْعُ مَنْفَعَةٍ) احْتِرَازٌ عَنْ بَيْعِ عَيْنٍ (مَعْلُومَةٍ) جِنْسًا وَقَدْرًا (بِعِوَضٍ) مَالِيٍّ أَوْ نَفْعٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَسُكْنَى دَارٍ بِرُكُوبِ دَابَّةٍ، وَلَا يَجُوزُ بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى لِلرِّبَا (مَعْلُومٍ) قَدْرًا وَصِفَةً فِي غَيْرِ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ (دَيْنٍ) أَيْ مِثْلِيٍّ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ (أَوْ عَيْنٍ) أَيْ قِيَمِيٍّ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهِمَا فَخَرَجَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالنِّكَاحُ، فَإِنَّهُ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ لَا تَمْلِيكُهَا.

وَفِي الدُّرَرِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ تَمْلِيكُ نَفْعٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِتَنَاوُلِهِ الْفَاسِدَةَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَبِالشُّيُوعِ الْأَصْلِيِّ، وَإِنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْأَعَمِّ لَمْ يَكُنْ تَقْيِيدُ النَّفْعِ وَالْعِوَضِ بِالْمَعْلُومِيَّةِ صَحِيحًا وَمَا اُخْتِيرَ هَهُنَا تَعْرِيفٌ لِلْأَعَمِّ انْتَهَى لَكِنَّ الْمَقْصُودَ قَيَّدَ الْبَدَلَيْنِ بِالْمَعْلُومِيَّةِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ بِالْجَهَالَةِ عَنْ التَّعْرِيفِ وَنَبَّهَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشَّرْعِ هِيَ الْإِجَارَةُ الْغَيْرُ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ وَجَعَلَ ذِكْرَ الْمَعْلُومِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ الْآتِي، وَالْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ تَارَةً إلَى آخِرِ تَدَبُّرٍ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَعْدُومٌ، وَإِضَافَةُ التَّمْلِيكِ إلَى مَا سَيُوجَدُ لَا يَصِحُّ لَكِنَّهُ جُوِّزَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَضَرْبٍ مِنْ الْمَعْقُولِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا لَازِمَةٌ مَا لَمْ يَظْهَرْ نَسْخُهَا، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» وَقَوْلُهُ قَوْله تَعَالَى: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» ، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَيْهِ وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ وَتَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ.

وَفِي الْبَحْرِ وَالْمُرَادُ مِنْ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ سَاعَةً فَسَاعَةً فِي كَلَامِ مَشَايِخِنَا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ هُوَ عَمَلُ الْعِلَّةِ، وَنَفَاذُهَا فِي الْمَحَلِّ سَاعَةً فَسَاعَةً لِارْتِبَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كُلَّ سَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ يُوهِمُ ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ تَأَخَّرَ مِنْ زَمَانِ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَابِلٌ لِلتَّرَاخِي كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَتَمَامِهِ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الْمَوْلَى سَعْدِي عَلَى الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُتَأَمَّلَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّ الِانْعِقَادَ هُوَ ارْتِبَاطُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ، فَإِذَا حَصَلَ الِارْتِبَاطُ بِإِقَامَةِ الدَّارِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ يَتَحَقَّقُ الِانْعِقَادُ فَمَا مَعْنَى الِانْعِقَادِ سَاعَةً فَسَاعَةً بَعْدَ ذَلِكَ تَدَبَّرْ وَمِنْ مَحَاسِنِ الْإِجَارَةِ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِقَلِيلٍ مِنْ الْبَدَلِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَارٍ يَسْكُنُهَا وَحَمَّامٍ يَغْتَسِلُ فِيهَا وَإِبِلٍ يَحْمِلُ أَثْقَالَهُ إلَى بَلَدٍ لَمْ يَكُنْ يَبْلُغُهُ إلَّا بِمَشَقَّةِ النَّفْسِ وَسَبَبُهَا تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ وَشَرْطُهَا مَعْلُومِيَّةُ الْبَدَلَيْنِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>