للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِقَوْلِهِ الْعَمْدُ قَوَدٌ لَا مَالَ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآدَمِيِّ صُورَةً وَمَعْنًى إذْ الْآدَمِيُّ خُلِقَ مُكَرَّمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: ٧٠] لِيَشْتَغِلَ بِالطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمَالُ خُلِقَ لِإِقَامَةِ مَصَالِحِهِ وَمُبْتَذَلًا فِي حَوَائِجِهِ فَلَا يَصْلُحُ جَابِرًا وَقَائِمًا مَقَامَهُ إلَّا أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مَالٍ يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي سَوَاءٌ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا (إلَّا أَنْ يُعْفَى) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ أَوْ يُصَالِحَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) لِأَنَّهَا فِيمَا كَانَ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْقَتْلُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ لَا تَلِيقُ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ سَاتِرَةً لَهُ لِوُجُودِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا وَلِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ مِنْهَا قَتْلُ النَّفْسِ بِعَمْدٍ» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْخَطَأِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَبْدِ.

(وَأَمَّا شِبْهُ عَمْدٍ وَهُوَ ضَرْبُهُ) أَيْ الْقَاتِلِ (قَصْدًا بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ) فِي الْعَمْدِ مِمَّا لَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ كَالشَّجَرِ مُطْلَقًا وَالْحَجَرِ أَيْضًا إنْ كَانَا غَيْرَ مُحَدَّدَيْنِ وَالسَّوْطِ وَالْيَدِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِغَيْرِهِ فِي الثَّقِيلِ الْعَظِيمِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ عِنْدَ الْغَيْرِ ضَرْبُ الْقَاتِلِ بِآلَةٍ لَا يَقْتُلُ مِثْلُهَا غَالِبًا كَالْعَصَا وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ وَالسَّوْطِ وَالْيَدِ (وَمُوجَبُهُ) أَيْ شِبْهَ الْعَمْدِ (الْإِثْمُ) لِقَصْدِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: ٩٣] فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُدَّعَى عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِ وَالذِّمِّيِّ وَالدَّلِيلُ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِ قُلْنَا إنَّ مُوجَبَهَا فِي الْمُؤْمِنِ ثَبَتَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ وَفِي الذِّمِّيِّ بِدَلَالَتِهِ لِتَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِصْمَةِ لَا يُقَالُ إنَّ الْآيَةَ دَلِيلٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى خُلُودِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ فِي النَّارِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَحِلِّ أَوْ يُرَادُ بِالْخُلُودِ طُولُ الْمُكْثِ أَوْ يُرَادُ بِهَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ (وَالْكَفَّارَةُ) عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ خَطَأٌ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ فَدَخَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: ٩٢] الْآيَةَ (وَالدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) النَّاصِرَةِ لِلْقَاتِلِ أَمَّا وُجُوبُهَا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» الْحَدِيثَ وَأَمَّا كَوْنُ الْوُجُوبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَيَتَحَقَّقُ التَّخْفِيفُ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْخَطَأِ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِقَضِيَّةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ (لَا الْقَوَدُ) عَطْفٌ عَلَى الدِّيَةِ أَيْ لَيْسَ فِيهِ لِشُبْهَةٍ بِالْخَطَأِ (وَهُوَ) أَيْ شِبْهُ الْعَمْدِ (فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) مِنْ الْأَطْرَافِ (عَمْدٌ) بِاعْتِبَارِ الضَّرْبِ وَالْإِتْلَافِ جَمِيعًا يَعْنِي إذَا جَرَحَ عُضْوًا بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ مِمَّا يُرَاعَى فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>