للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى -، ثُمَّ هُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: وَاجِبٌ وَهُوَ أَنْ يَتَعَيَّنَ لَهُ وَلَا يُوجَدَ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ أَدَّى إلَى تَضْيِيعِ الْحُكْمِ، فَيَكُونَ قَبُولُهُ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِنْصَافَ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ.

وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ غَيْرُهُ لَكِنْ هُوَ أَصْلَحُ وَأَقْوَمُ بِهِ.

وَمُخَيَّرٌ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَسْتَوِيَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الصَّلَاحِيَّةِ وَالْقِيَامِ بِهِ.

وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ لَكِنَّ غَيْرَهُ أَصْلَحُ وَأَقْوَمُ بِهِ.

وَحَرَامٌ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنْهُ وَعَدَمَ الْإِنْصَافِ فِيهِ فِي بَاطِنِهِ مِنْ اتِّبَاعِ الْهَوَى بِمَا لَا يَعْرِفُهُ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ رِزْقَهُ وَكِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ أَهْلِهِ وَأَعْوَانِهِ وَمَنْ يُمَوِّنُهُمْ يَكُونُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ لِحَقِّ الْعَامَّةِ فَلَوْلَا الْكِفَايَةُ رُبَّمَا يَطْمَعُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ، وَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَعْطَى شُرَيْحًا كُلَّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ.

(وَأَهْلُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إلْزَامٌ إذْ الشَّهَادَةُ مُلْزِمَةٌ عَلَى الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ مُلْزِمٌ عَلَى الْخَصْمِ.

(وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (شَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لَهُ) أَيْ لِلْقَضَاءِ (وَيَصِحُّ تَقْلِيدُهُ) أَيْ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ أَيْ الْمُسْلِمِ الَّذِي أَقْدَمَ عَلَى كَبِيرَةٍ أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ قَضَاءَ الْمَسْتُورِ صَحِيحٌ بِلَا قُبْحٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَبِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.

وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَيَجِبُ أَنْ لَا يُقَلَّدَ) الْفَاسِقُ الْقَضَاءَ إذْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِوَاسِطَةِ فِسْقِهِ حَتَّى لَوْ قُلِّدَ كَانَ الْمُقَلِّدُ آثِمًا (كَمَا يَصِحُّ قَبُولُ شَهَادَتِهِ) أَيْ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ حَتَّى لَوْ قَبِلَ الْقَاضِي وَحَكَمَ بِهَا كَانَ آثِمًا، وَلَكِنَّهُ يَنْفُذُ.

وَفِي الدُّرَرِ هَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَهُوَ مِمَّا يُحْفَظُ (وَيَجِبُ أَنْ لَا تُقْبَلَ) شَهَادَتُهُ وَفِي الشُّمُنِّيِّ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الشَّرَائِطِ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ وَغَيْرِهِمَا مُتَعَذَّرٌ فِي عَصْرِنَا لِخُلُوِّ الْعَصْرِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ وَالْعَدْلِ، فَالْوَجْهُ تَنْفِيذُ قَضَاءِ كُلِّ مَنْ وَلَّاهُ سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا، قَالَ قَاضِي خَانْ: وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ بِالشَّرْطِ وَكَذَا الْإِضَافَةُ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَتَعْلِيقُ عَزْلِ الْقَاضِي بِالشَّرْطِ صَحِيحٌ كَتَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ وَلَوْ كَانَ فِي الْمِصْرِ قَاضِيَانِ، كُلٌّ عَلَى مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ فَالْعِبْرَةُ لِلْمُدَّعِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>