الصَّحِيحُ.
(وَلَوْ فَسَقَ) الْقَاضِي (الْعَدْلُ) بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الزِّنَاءِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ (يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ) أَيْ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ عَزْلُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَفِي الْمِعْرَاجِيَّةِ يَحْسُنُ عَزْلُهُ لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ (وَلَا يَنْعَزِلُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ وَلَوْ قُلِّدَ وَهُوَ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
وَفِي الْإِصْلَاحِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَلَمْ أَرَهُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ، فَلْيُطَالَعْ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ شُرِطَ التَّقْلِيدُ أَنَّهُ مَتَى فَسَقَ يَنْعَزِلُ.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ هِشَامٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ فَسَقَ الْقَاضِي، ثُمَّ تَابَ فَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ كَمَا إذَا عَمِيَ، ثُمَّ أَبْصَرَ، وَكَذَا إذَا ارْتَدَّ - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى - ثُمَّ أَسْلَمَ.
قَيَّدَ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَمْنَعُ الْإِمَامَةَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ.
وَفِي الْبَحْرِ: الْوَالِي إذَا فَسَقَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَلَا يَنْعَزِلُ وَلَوْ حَكَمَ الْوَالِي بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ.
(وَلَوْ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا) أَيْ بِمَالٍ دَفَعَهُ لِتَوْلِيَتِهِ لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ قَضَى لَمْ يَنْفُذْ، وَبِهِ يُفْتَى إذْ الْإِمَامُ لَوْ قُلِّدَ بِرِشْوَةٍ أَخَذَهَا هُوَ أَوْ قَوْمُهُ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ كَقَضَائِهِ بِرِشْوَةٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا لَوْ أَخَذَ قَوْمُهُ - وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ - هَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ أَمْ لَا؟
وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ تَقْلِيدُهُ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ " وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ " يَقْتَضِي جَوَازَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَمَا لَوْ ارْتَشَى وَكِيلُ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ أَوْ كَاتِبُهُ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ فَإِنْ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ ارْتَشَى بِنَفْسِهِ، وَإِنْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَعَلَى الْمُرْتَشِي رَدُّ مَا قَبَضَ، تَتَبَّعْ.
قَيَّدَ بِالتَّوْلِيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْقَاضِي الرِّشْوَةَ وَقَضَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى بِالْإِجْمَاعِ وَحَكَى فِي الْفُصُولِ فِيهِ اخْتِلَافًا فَقِيلَ لَا يَنْفُذُ فِيمَا ارْتَشَى وَيَنْفُذُ فِيمَا سِوَاهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ فِيهِمَا، وَقِيلَ: يَنْفُذُ فِيهِمَا.
وَفِي الْبَحْرِ قَضَى، ثُمَّ ارْتَشَى، أَوْ ارْتَشَى، ثُمَّ قَضَى أَوْ ارْتَشَى وَلَدُهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْمَالَ أَوْ ابْنُهُ يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ أَوْ ابْنِهِ.
الْقَاضِي الْمُوَلَّى أَخَذَ الرِّشْوَةَ، ثُمَّ بَعَثَهُ إلَى شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ لِيَحْكُمَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي لِيَسْمَعَ الْخُصُومَةَ، أَوْ أَخَذَ أُجْرَةَ مِثْلِ الْكِتَابَةِ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِشْوَةٍ لِمَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ: يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى كِتْبَةِ السِّجِلَّاتِ وَالْمَحَاضِرِ وَعِنْدَهُمَا لِكُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ لَكِنْ لَحِقَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ مِثْلُ ذَلِكَ فَفِيهِ خَمْسَةٌ أَيْضًا.
وَفِي الْخِزَانَةِ وَمَا قِيلَ: فِي الْأَلْفِ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسَةٌ، لَا نَقُولُ بِهِ وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِفِقْهِ أَصْحَابِنَا وَأَيُّ مَشَقَّةٍ لِلْكَاتِبِ فِي أَخْذِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا أُجْرَةُ مِثْلِهِ بِقَدْرِ مَشَقَّتِهِ وَبِقَدْرِ عَمَلِهِ فِي صَنْعَتِهِ أَيْضًا كَمَا يُسْتَأْجَرُ الْحَكَّاكُ وَالنَّقَّابُ بِأَجْرٍ كَثِيرٍ فِي مَشَقَّةٍ قَلِيلَةٍ، وَأُجْرَةُ كِتْبَةِ الْقَبَالَةِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا دُفِعَ إمَّا دُفِعَ لِلتَّوَدُّدِ، وَهُوَ حَلَالٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِمَّا لِصَيْرُورَتِهِ قَاضِيًا وَهُوَ حَرَامٌ مِنْهُمَا، وَإِمَّا لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ حَلَالٌ لِلدَّافِعِ وَكَذَا إذَا طَمِعَ