فِي مَالِهِ فَرَشَاهُ بِبَعْضِ الْمَالِ، وَإِمَّا لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ الْوَالِي فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ حَرَامًا فَحَرَامٌ عَلَى الْجَانِبَيْنِ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَحَرَامٌ عَلَى الْآخِذِ إنْ اشْتَرَطَ وَحَلَالٌ لِلدَّافِعِ إلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِمَا يَدْفَعُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُسَوِّيَ أَمْرَهُ وَأَعْطَاهُ بَعْدَمَا يُسَوِّي اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحِلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ بِرٌّ وَمُجَازَاةُ الْإِحْسَانِ فَيَحِلُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ: وَالرِّشْوَةُ لَا تُمْلَكُ وَلِذَا يَلْزَمُ الِاسْتِرْدَادُ.
(وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا) لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ حَذَرًا عَنْ النِّسْبَةِ إلَى الْخَطَأِ (وَقِيلَ لَا) يَصْلُحُ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ، وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَالَ: وَظَاهِرُ مَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ اسْتِفْتَاؤُهُ اتِّفَاقًا فَإِنَّهُ قَالَ: الِاتِّفَاقُ عَلَى حِلِّ اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ أَوْ رَآهُ مُنْتَصِبًا - وَالنَّاسُ يَسْتَفْتُونَهُ مُعَظِّمِينَ -، وَعَلَى امْتِنَاعِهِ إنْ ظَنَّ عَدَمَ أَحَدِهِمَا فَإِنْ جَهِلَ اجْتِهَادَهُ دُونَ عَدَالَتِهِ فَالْمُخْتَارُ مَنْعُ اسْتِفْتَائِهِ بِخِلَافِ الْمَجْهُولِ مِنْ غَيْرِهِ إذْ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَنْعِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ، فَلْيُطَالَعْ.
وَيُكْتَفَى بِالْإِشَارَةِ مِنْ الْمُفْتِي لَا مِنْ الْقَاضِي إذْ لَا بُدَّ لِلْقَضَاءِ مِنْ صِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَحَكَمْتُ، وَأَلْزَمْتُ، أَوْ صَحَّ عِنْدِي، أَوْ ثَبَتَ، أَوْ ظَهَرَ عِنْدِي، أَوْ عَلِمْتُ عَلَى الصَّحِيحِ.
(وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَظًّا) مِنْ الْفَظَاظَةِ وَهِيَ خُشُونَةُ الْقَوْلِ (غَلِيظًا) أَيْ شَدِيدًا فِي الْكَلَامِ مُتَفَاحِشًا (جَبَّارًا) أَيْ مُتَكَبِّرًا مُقْبِلًا بِغَضَبٍ (عَنِيدًا) أَيْ مُخَالِفًا لِلْحَقِّ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ دَفْعُ الْفَسَادِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِعَيْنِهَا فَسَادٌ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ) الْقَاضِي (مَوْثُوقًا بِهِ) أَيْ مُعْتَمَدًا عَلَيْهِ (فِي دِينِهِ) بِالِاحْتِرَازِ عَنْ الْحَرَامِ (وَعَفَافِهِ) لِأَنَّهُ مَلَاكُ الدِّينِ (وَعَقْلِهِ) لِأَنَّهُ مَدَارُ التَّكْلِيفِ (وَصَلَاحِهِ) لِأَنَّ فِي ضِدِّهِ الْفَسَادَ (وَفَهْمِهِ) لِيَفْهَمَ الْفَسَادَ وَالْخُصُومَةَ (وَعِلْمِهِ بِالسُّنَّةِ) وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا وَفِعْلًا وَتَقْرِيرًا عِنْدَ أَمْرٍ يُعَايِنُهُ (وَالْآثَارِ) وَهِيَ مَا يُرْوَى عَنْ الْأَصْحَابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (وَوُجُوهِ الْفِقْهِ) أَيْ طُرُقِهِ قَالَ الْمَوْلَى مِسْكِينٌ: إنَّ الْفِقْهَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ اسْمٌ لِعِلْمٍ خَاصٍّ فِي الدِّينِ لَا لِكُلِّ عِلْمٍ وَهُوَ عِلْمٌ بِالْمَعَانِي الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ الرَّسُولِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَمُقْتَضَيَاتِهَا، وَإِشَارَتِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْرَفَ وَأَقْدَرَ وَأَوْجَبَ وَأَهْيَبَ وَأَصْبَرَ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ النَّاسِ كَانَ أَوْلَى.
وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَتَفَحَّصَ فِي ذَلِكَ وَيُوَلِّيَ مَنْ هُوَ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَخَانَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» .
وَفِي الْأَشْبَاهِ «فَقَدْ ظَلَمَ مَرَّتَيْنِ بِإِعْطَاءِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ وَمَنْعِ الْمُسْتَحِقِّ» ، لَكِنْ فِي زَمَانِنَا تَوْجِيهُ الْقَضَاءِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِقِلَّتِهِ أَوْ لِمَانِعٍ يَمْنَعُ حَتَّى اُبْتُلِيتُ بِأَنْ أُوَلِّيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute