للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقَضَاءَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْأَمْرُ فَلَمْ أَقْدِرْ أَنْ أُوَلِّيَ الْأَحَقَّ وَالْأَوْلَى، تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنِّي وَعَنْ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ بِحُرْمَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ (وَكَذَا الْمُفْتِي) يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ.

(وَالِاجْتِهَادُ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ) فِي الْقَاضِي وَالْمُفْتِي، لَا الْجَوَازِ، هُوَ الصَّحِيحُ تَيْسِيرًا وَتَسْهِيلًا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.

وَفِي الْفَتْحِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْقَاضِي ذُكِرَ فِي الْمُفْتِي وَلَا يُفْتِي إلَّا الْمُجْتَهِدُ وَقَدْ اسْتَقَرَّ رَأْيُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُجْتَهِدِ فَقِيلَ: أَنْ يَعْلَمَ الْكِتَابَ بِمَعَانِيهِ، وَالسُّنَّةَ بِطُرُقِهَا، وَالْمُرَادُ بِعِلْمِهِمَا عِلْمٌ بِهِ يَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ مِنْهُمَا مِنْ الْعَامِّ، وَالْخَاصِّ، وَالْمُشْتَرَكِ، وَالْمُؤَوَّلِ، وَالنَّصِّ، وَالظَّاهِرِ، وَالنَّاسِخِ، وَالْمَنْسُوخِ، وَمَعْرِفَةِ الْإِجْمَاعِ، وَالْقِيَاسِ، وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُهُ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ وَلَا لِبَعْضِهِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ بَلْ أَنْ يَعْرِفَ مَظَانَّ أَحْكَامِهَا فِي أَبْوَابِهَا فَيُرَاجِعَهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّبَحُّرُ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ لُغَةً، وَإِعْرَابًا، وَأَمَّا الِاعْتِقَادُ فَيَكْفِيهِ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى طَرِيقِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَدِلَّتِهِمْ لِأَنَّهَا صِنَاعَةٌ لَهُمْ وَيَدْخُلُ فِي السُّنَّةِ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَقِيسُ مَعَ وُجُودِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ عُرْفِ النَّاسِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ قَرِيحَةٍ.

فَأَمَّا غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ مِمَّنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ بِمُفْتٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ كَأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ فَعُرِفَ أَنَّ مَا يَكُونُ فِي زَمَانِنَا مِنْ فَتْوَى الْمَوْجُودِينَ لَيْسَ بِفَتْوَى بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامِ الْمُفْتِي لِيَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَفْتِي.

وَطَرِيقُ نَقْلِهِ لِذَلِكَ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ، أَوْ يَأْخُذَهُ مِنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ - تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي - نَحْوِ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَنَحْوِهَا مِنْ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَوْ الْمَشْهُورِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ اخْتِلَافَ أَئِمَّةِ الْهُدَى تَوْسِعَةٌ عَلَى النَّاسِ فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي جَانِبٍ وَهُمَا فِي جَانِبٍ خُيِّرَ الْمُفْتِي، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْإِمَامِ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا إلَّا إذَا اصْطَلَحَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ الْآخَرِ فَيَتْبَعُهُمْ كَمَا اخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ زُفَرَ فِي مَسَائِلَ. وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِقَوْلِ الْإِمَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ بِقَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَلَا يُخَيَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا، وَإِذَا اخْتَلَفَ يَتْبَعُ مُفْتِيَانِ قَوْلَ الْأَفْقَهِ.

وَفِي الْمِنَحِ، وَإِنْ خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ صَاحِبَاهُ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ اخْتِلَافَ عَصْرٍ وَزَمَانٍ كَالْقَضَاءِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ يَأْخُذُ بِقَوْلِ صَاحِبَيْهِ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ.

وَفِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهِمَا يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا وَيَجُوزُ لِلشَّابِّ الْفَتْوَى إذَا كَانَ حَافِظًا لِلرِّوَايَاتِ وَاثِقًا عَلَى الدِّرَايَاتِ مُحَافِظًا عَلَى الطَّاعَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>