للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغُرْمُ لُزُومُ ضَرَرٍ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: ٦٥] وَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا بِأَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهُ، أَوْ بِأَنْ يَسْتَعِينَ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَكَفَّلُ بِنَفْسِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَيَنْقَادُ لَهُ، وَأَيْضًا إلْزَامُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُلْتَزَمٍ عَلَيْهِ غَالِبًا كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ أَلْفَ حَجَّةٍ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعِيشُ أَلْفَ سَنَةٍ.

(فَالْأُولَى) أَيْ كَفَالَةُ النَّفْسِ (تَنْعَقِدُ بِكَفَلْت بِنَفْسِهِ وَبِرَقَبَتِهِ وَنَحْوِهَا) أَيْ نَحْوِ الرَّقَبَةِ (مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ) جَمِيعِ (الْبَدَنِ) عُرْفًا كَالْبَدَنِ وَالْجَسَدِ وَالرُّوحِ وَالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالْعُنُقِ وَالْعَيْنِ وَالْفَرْجِ - إذَا كَانَتْ امْرَأَةً - بِخِلَافِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ (أَوْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ كَنِصْفِهِ أَوْ عُشْرِهِ) أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ أَوْ نَحْوِهَا لِأَنَّ النَّفْسَ الْوَاحِدَةَ فِي حَقِّ الْكَفَالَةِ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَانَ ذِكْرُ بَعْضِهَا شَائِعًا كَذِكْرِ كُلِّهَا.

وَفِي السِّرَاجِ وَلَوْ أَضَافَ الْجُزْءَ إلَيْهِ بِأَنْ قَالَ الْكَفِيلُ: كَفَلَ لَك نِصْفِي أَوْ ثُلُثِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.

(وَ) تَنْعَقِدُ (بِضَمِنْتُهُ) أَيْ بِقَوْلِهِ ضَمِنْتُ لَك فُلَانًا لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَاهُ (أَوْ هُوَ عَلَيَّ) لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ لِلْإِلْزَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُلْتَزِمٌ تَسْلِيمَهُ (أَوْ إلَيَّ) لِأَنَّ إلَيَّ بِمَعْنَى عَلَيَّ، قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَيْ يَتِيمًا أَوْ عِيَالًا فَإِلَيَّ» وَرُوِيَ عَلَيَّ لِكَوْنِهِمَا بِمَعْنًى (أَوْ أَنَا زَعِيمٌ) لِأَنَّ الْكَفِيلَ يُسَمَّى زَعِيمًا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ يُوسُفَ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] أَيْ كَفِيلٌ (أَوْ قَبِيلٌ بِهِ) أَيْ بِفُلَانٍ لِأَنَّ الْقَبِيلَ هُوَ الْكَفِيلُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الصَّكُّ قَبَالَةً لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْحَقَّ.

(لَا) تَنْعَقِدُ (بِأَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَعْرِفَتَهُ دُونَ الْمُطَالَبَةِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلْعُرْفِ، وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَالظَّاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْهُمَا وَبِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُفْتَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.

وَفِي التَّنْوِيرِ وَيَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ أَنَا ضَامِنٌ حَتَّى يَجْتَمِعَا أَوْ يَلْتَقِيَا وَيَكُونَ كَفِيلًا إلَى الْغَايَةِ، وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ لِعَدَمِ بَيَانِ الْمَضْمُونِ هَلْ هُوَ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ.

قَيَّدَ بِالْمَعْرِفَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنَا ضَامِنٌ تَعْرِيفَهُ، أَوْ عَلَيَّ تَعْرِيفُهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَالْوَجْهُ اللُّزُومُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِوَجْهِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ لِوَجْهِهِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا أُعَرِّفُهُ لَا يَكُونُ كَفِيلًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ لِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ، وَلَوْ قَالَ: مَعْرِفَةُ فُلَانٍ عَلَيَّ، قَالُوا: يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ " فُلَانٌ آشناء منست أَوْ آشناست " صَارَ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ عُرْفًا، وَبِهِ يُفْتَى فِي الْمُضْمَرَاتِ (وَصَحَّ أَخْذُ كَفِيلَيْنِ وَأَكْثَرَ) لِأَنَّ حُكْمَ الْكَفَالَةِ اسْتِحْقَاقُ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ، فَالْتِزَامُ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ الثَّانِيَ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا التَّوَثُّقُ، وَأَخْذُ كَفِيلٍ آخَرَ وَآخَرَ زِيَادَةٌ فِي التَّوَثُّقِ فَصَحَّتْ الثَّانِيَةُ مَعَ بَقَاءِ الْأُولَى وَكَذَا الثَّالِثَةُ فَمَا فَوْقَهَا.

(وَيَجِبُ فِيهَا) أَوْ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عَلَى الْكَفِيلِ (إحْضَارُ مَكْفُولٍ بِهِ) وَهُوَ النَّفْسُ (إذَا طَلَبَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ) وَهُوَ الْمُدَّعِي وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ (فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>