اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ بِهَا.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَالْقِيَاسُ يَأْبَى كَوْنَ الشَّهَادَةِ حُجَّةً مُلْزِمَةً لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَالْمُحْتَمِلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ، وَالشَّهَادَةُ فِي اللُّغَةِ خَبَرٌ قَاطِعٌ، وَقَدْ شَهِدَ كَعَلِمَ وَكَرُمَ، وَقَدْ يُسَكَّنُ هَاؤُهُ، وَشَهِدَهُ كَسَمِعَهُ شُهُودًا حَضَرَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ وَقَوْمٌ شُهُودٌ أَيْ حُضُورٌ، وَشَهِدَ لَهُ بِكَذَا شَهَادَةً أَيْ أَدَّى مَا عِنْدَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ، وَالْجَمْعُ شُهَّدٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، فَلْيُطَالَعْ.
وَفِي التَّبْيِينِ: هِيَ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَحُسْبَانٍ هَذَا فِي اللُّغَةِ؛ فَلِهَذَا قَالُوا: إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشَّهَادَةِ الَّتِي تُنْبِئُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ، وَسُمِّيَ الْأَدَاءُ شَهَادَةً إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، انْتَهَى. وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيُّ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ (هِيَ) أَيْ الشَّهَادَةُ (إخْبَارٌ) شَرْعِيٌّ (بِحَقٍّ) أَيْ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ (لِلْغَيْرِ) أَيْ حَصَلَ لِغَيْرِ الْمُخْبِرِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْإِنْكَارُ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ بِهِ لِنَفْسِهِ فِي يَدِهِ، وَكَذَا دَعْوَى الْأَصِيلِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ لِنَفْسِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَكَذَا دَعْوَى الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِخْبَارٍ لِلْغَيْرِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ كَمَا ظُنَّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (عَلَى الْغَيْرِ) فَخَرَجَ الْإِقْرَارُ إذْ هُوَ إخْبَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَتَدْخُلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالزِّنَاءِ وَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِمَا (عَنْ مُشَاهَدَةٍ لَا عَنْ ظَنٍّ) وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ الْمُصْطَفَوِيَّةُ حَيْثُ قَالَ: «إذَا رَأَيْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ، وَإِلَّا فَدَعْ» .
وَفِي الْعِنَايَةِ، وَفِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْفِقْهِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ صَادِقٍ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ، فَالْإِخْبَارُ كَالْجِنْسِ يَشْمَلُهَا وَالْأَخْبَارَ الْكَاذِبَةَ، وَقَوْلُهُ " صَادِقٍ " يُخْرِجُ الْكَاذِبَةَ وَقَوْلُهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ يُخْرِجُ الْأَخْبَارَ الصَّادِقَةَ غَيْرَ الشَّهَادَاتِ، انْتَهَى. وَيَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي: أَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ كَذَا لِبَعْضِ الْعُرْفِيَّاتِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُزَادَ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَمَنْ تَعَيَّنَ لِتَحَمُّلِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ بِأَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ (لَا يَسَعُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ التَّحَمُّلِ إذَا طُلِبَ لِأَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّحَمُّلِ مِنْ تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلتَّحَمُّلِ بِأَنْ يُوجَدَ غَيْرُهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ (وَيُفْتَرَضُ أَدَاؤُهَا) أَيْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ (بَعْدَ التَّحَمُّلِ إذَا طُلِبَتْ) الشَّهَادَةُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّاهِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣] وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا عَنْ الْإِبَاءِ وَالْكِتْمَانِ لَكِنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَكُونُ أَمْرًا بِضِدِّهِ إذَا كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِاشْتِغَالِ بِهِ فَكَانَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضًا قَطْعًا كَفَرِيضَةِ الِانْتِهَاءِ عَنْ الْكِتْمَانِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِهِ بَلْ آكَدُ وَلِهَذَا أَسْنَدَ الْإِثْمَ إلَى الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْفِعْلُ وَهُوَ الْقَلْبُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى مَحَلِّهِ أَقْوَى مِنْ الْإِسْنَادِ إلَى كُلِّهِ فَقَوْلُهُ أَبْصَرْتُهُ بِعَيْنِي آكَدُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَبْصَرْتُهُ، وَإِسْنَادُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute