(عِنْدَ الْإِمَامِ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَقَعُ عَلَى الْغَائِبِ لِيَشْتَرِطَ الْعِلْمَ بِنَفْسِهِ أَوْ نَسَبِهِ وَإِنَّمَا يَقْضِي عَلَى الْمُدَّعِي بِالدَّفْعِ عَنْ ذِي الْيَدِ وَهُمَا مَعْلُومَانِ وَهُوَ أَثْبَتُ بَيِّنَةً أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لِهَذَا الْمُدَّعِي (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ مَعْرُوفًا كَانَ بِالْحِيلَةِ أَوْ لَا وَإِنَّمَا تَنْدَفِعُ إذَا عَرَفَ الشُّهُودُ ذَلِكَ الرَّجُلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَوَجَّهَتْ عَلَى ذِي الْيَدِ بِظَاهِرِ يَدِهِ وَلَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالْحَوَالَةِ عَلَى رَجُلٍ يُمْكِنُ اتِّبَاعُهُ وَالْمَعْرُوفُ بِالْوَجْهِ لَا يَكُونُ مَعْرُوفًا فَصَارَ، هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الشُّهُودِ لَا نَعْرِفُهُ أَصْلًا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَعْوِيلُ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى بِمُخَمَّسَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى لِلِاشْتِمَالِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ كَمَا تَرَى؛ أَوْ لِأَنَّ صُوَرَهَا خَمْسٌ وَدِيعَةٌ وَإِجَارَةٌ وَإِعَارَةٌ وَرَهْنٌ وَغَصْبٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ فِي الْمِنَحِ، هَذَا إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْعَيْنِ كَمَا أَفَادَهُ عَدَمُ تَقْيِيدِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْمَسَائِلِ الْقَابِلَةِ لِهَذَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ فَرْضَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ لِمَا تَقَرَّرَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الطَّالِبُ بِالْبُرْهَانِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الدَّفْعِ قَبْلَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِي لَمَّا ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فِيمَا فِي يَد الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْكَرَهُ وَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعِي الْبُرْهَانَ فَأَقَامَهُ وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ حَتَّى دَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ وَبَرْهَنَ عَلَى الدَّفْعِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ وَكَّلَنِي صَاحِبُهُ بِحِفْظِهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ أَسْكَنَنِي فِيهَا فُلَانٌ الْغَائِبُ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ سَرَقْته مِنْهُ أَوْ أَخَذْته مِنْهُ أَوْ ضَلَّ مِنْهُ فَوَجَدْته كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالصُّوَرُ عَشَرٌ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْخَمْسِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسِّرَ الْمُخَمَّسَةَ بِالْأَقْوَالِ.
(وَلَوْ قَالَ) ذُو الْيَدِ (اشْتَرَيْته مِنْهُ) أَيْ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ (لَا تَنْدَفِعُ) الْخُصُومَةُ لِكَوْنِ يَدِهِ يَدَ خُصُومَةِ لِاعْتِرَافِهِ سَبَبَ الْمَلِكِ، وَهُوَ الشِّرَاءَ.
(وَكَذَا) لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ (لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي سَرَقْتَهُ) بِتَاءِ الْخِطَابِ (أَوْ غَصَبْته مِنِّي) فَقَالَ ذُو الْيَد أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ الْغَائِبُ.
(وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ (بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى إيدَاعِ الْغَائِبِ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي لَمَّا قَالَ لِصَاحِبِ الْيَدِ غَصَبْته مِنِّي صَارَ ذُو الْيَدِ خَصْمًا بِاعْتِبَارِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَفِيهِ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا بِالْإِحَالَةِ عَلَى الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْخُصُومَةِ فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى تَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ، وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ بِانْتِفَاءِ يَدِهِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ.
(وَكَذَا) لَا تَنْدَفِعُ (إنْ قَالَ) الْمُدَّعِي (سُرِقَ مِنِّي) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ اسْتِحْسَانًا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَى ذِي الْيَدِ بَلْ عَلَى مَجْهُولٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ غُصِبَ مِنِّي عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي الْفَاعِلَ لَا مَحَالَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ذُو الْيَدِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ دَرْءً لِلْحَدِّ عَنْهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ سَرَقْته مِنِّي بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ فَلَوْ قَضَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute