فَلَوْ كَتَبَ أَوْ أَشَارَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا كَتَبَ إلَى الْغَائِبِ: أَمَّا بَعْدُ فَلَهُ كَذَا، فَإِنَّهُ كَالْقَوْلِ شَرْعًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (بِحَقٍّ) أَيْ بِمَا يَثْبُتُ، وَيَسْقُطُ مِنْ عَيْنٍ وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ فَيَخْرُجُ عَنْهُ مَا دَخَلَ مِنْ حَقِّ التَّغْرِيرِ وَنَحْوِهِ (لِآخَرَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ لِغَيْرِ الْمُخْبِرِ عَلَى الْمُخْبِرِ، أَمَّا لِنَفْسِهِ عَلَى آخَرَ فَهُوَ دَعْوَى، وَلِآخَرَ عَلَى آخَرَ فَهُوَ شَهَادَةٌ، وَفِيمَا قَالَهُ أَبُو الْمَكَارِمِ مِنْ أَنَّ التَّعْرِيفَ مَنْقُوضٌ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ كَلَامٌ لِنِيَابَتِهِ مَنَابَهُ شَرْعًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُجِّيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَنَوْعٌ مِنْ الْمَعْقُولِ.
وَشَرْطُهُ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ.
وَرُكْنُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُقِرُّ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا (وَلَا يَصِحُّ) الْإِقْرَارُ (إلَّا لِمَعْلُومٍ) أَيْ لِشَخْصٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَحِقًّا،.
وَفِي الْمِنَحِ: وَأَمَّا جَهَالَةُ الْمُقَرِّ لَهُ فَمَانِعَةٌ مِنْ صِحَّتِهِ إنْ تَفَاحَشَتْ كَلِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ عَلَيَّ كَذَا، وَإِلَّا كَلِأَحَدِ هَذَيْنِ عَلَيَّ كَذَا لَا.
وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُحَلِّفَهُ وَفِي الدُّرَرِ: وَإِنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ بِأَنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ غَصَبَ هَذَا الْبُعْدَ مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلْمَجْهُولِ، وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، وَقِيلَ يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَمَامُهُ فِيهِ، فَلْيُطَالَعْ.
(وَحُكْمُهُ) أَيْ الْإِقْرَارِ (ظُهُورُ الْمُقَرِّ بِهِ) أَيْ الْمُخْبَرِ بِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ عَلَيْهِ (لَا إنْشَاؤُهُ) أَيْ لَا إثْبَاتُ الْمُقَرِّ بِهِ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلِذَا قَالُوا: إنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُقِرَّ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ دِيَانَةً إلَّا إنْ أَخَذَهُ عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِالْإِثْبَاتِ عَنْ النَّفْيِ وَجَمَعَهُمَا مُبَالَغَةً فِي رَدِّ مَا قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّ الْإِقْرَارَ إنْشَاءٌ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ إشَارَةً إلَى أَنَّ تَصْدِيقَ الْمُقَرِّ لَهُ لَمْ يُشْتَرَطْ، وَإِنْ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ، وَلَوْ رَدَّهُ ثُمَّ أَعَادَ إقْرَارَهُ صَحَّ الْإِقْرَارُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى كَوْنِ حُكْمِ الْإِقْرَارِ ظُهُورَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا إنْشَاءَهُ بِقَوْلِهِ.
(فَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ) وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ إنْشَاءً لَمَا صَحَّ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَصْلُحُ لَهُ تَمْلِيكُ الْخَمْرِ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَقَرَّ بِخَمْرٍ لِلْمُسْلِمِ يَصِحُّ وَيُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهَا إذَا طَلَبَ اسْتِرْدَادَهَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِخَمْرٍ مُسْتَهْلَكٍ لِمُسْلِمٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلْمُسْلِمِ بَدَلُ الْخَمْرِ.
(لَا) يَصِحُّ الْإِقْرَارُ (بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ مُكْرَهًا) لِقِيَامِ دَلِيلِ الْكَذِبِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ وَلَوْ كَانَ إنْشَاءً لَصَحَّ لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ، وَإِعْتَاقَهُ وَاقِعَانِ عِنْدَنَا.
(وَإِذَا أَقَرَّ حُرٌّ) وَإِنَّمَا شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَتَأَخَّرُ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَكَذَا الْمَأْذُونُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ كَالْمَهْرِ لِوَطْءِ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ، وَالْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا التِّجَارَةَ فَلَمْ يَكُنْ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ (مُكَلَّفٌ) لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لَا يَصِحُّ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الِالْتِزَامِ إلَّا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ كَمَا هُوَ