مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمَقْدُورِ بِتَعَاطِيهِ، وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الْمَوْضُوعَانِ لَهُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَفِي الْعِنَايَةِ الْإِيجَابُ مُطْلَقًا، وَالْقَبُولُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَقَالَ: وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِي الدَّرَاهِمِ، وَطَلَبَ الصُّلْحَ عَلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ فَقَدْ تَمَّ الصُّلْحُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي: فَعَلْت، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَشَرْطُهُ الْعَقْلُ لَا الْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ وَصَحَّ مِنْ صَبِيٍّ مَأْذُونٍ إنْ عُرِّيَ عَنْ ضَرَرٍ بَيِّنٍ، وَمِنْ عَبْدٍ مَأْذُونٍ وَمُكَاتَبٍ، وَشُرِطَ أَيْضًا كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ مَعْلُومًا، إنْ كَانَ يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ، وَكَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ حَقًّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَالٍ كَالْقِصَاصِ وَالتَّعْزِيرِ، مَعْلُومًا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ أَوْ مَجْهُولًا لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ، أَوْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِمَّا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الدَّعْوَى كَمَا فِي الْمِنَحِ وَالْبَحْرِ.
(وَيَجُوزُ) الصُّلْحُ (مَعَ إقْرَارٍ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَسُكُوتٍ) مِنْهُ بِأَنْ لَا يُقِرَّ وَلَا يُنْكِرَ (وَإِنْكَارٍ) وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] عَرَّفَهُ بِاللَّامِ فَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصُّلْحُ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا وَحَرَّمَ حَلَالًا» .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ مَعَ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ، لِأَنَّهُمَا صُلْحٌ أَحَلَّ حَرَامًا لِأَنَّهُ أَخْذُ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي فَكَانَ رِشْوَةً وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَأَوَّلُ مَا رَوَيْنَا بِتَأْوِيلٍ آخَرَ: أَحَلَّ حَرَامًا لِعَيْنِهِ كَالْخَمْرِ، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا لِعَيْنِهِ كَالصُّلْحِ عَلَى أَنْ لَا يَطَأَ الضَّرَّةَ.
وَفِي الْعِنَايَةِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (فَالْأَوَّلُ) أَيْ الصُّلْحُ بِالْإِقْرَارِ (كَالْبَيْعِ) فِي أَحْكَامِهِ (إنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَتَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ) أَيْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الصُّلْحِ عَنْ عَقَارٍ أَوْ عَلَى عَقَارٍ كَمَا يَثْبُتُ فِي الْمَبِيعِ فَلِلشَّفِيعِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ) بِأَنْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَبْدًا مَثَلًا فَوَجَدَ الْمُدَّعِي فِيهِ عَيْبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ (وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ) بِأَنْ لَمْ يَرَ الْمُصَالِحُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَقْتَ الصُّلْحِ ثُمَّ رَآهُ فَلَهُ الْخِيَارُ فِيهِ (وَالشَّرْطِ) بِأَنْ يُصَالِحَ عَلَى شَيْءٍ فَشَرَطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ (وَتُفْسِدُهُ) أَيْ الصُّلْحَ (جَهَالَةُ الْبَدَلِ) أَيْ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَصَارَ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ لَا تُفْسِدُهُ (جَهَالَةُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ يَسْقُطُ، وَجَهَالَةُ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
وَفِي الْعِنَايَةِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ.
(وَتُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ) لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ كَكَوْنِ مَعْلُومِيَّةِ الْبَدَلِ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ.
(وَإِنْ اُسْتُحِقَّ) فِي صُلْحٍ مَعَ إقْرَارٍ (بَعْضُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ أَوْ) اُسْتُحِقَّ (كُلُّهُ رَجَعَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي (بِكُلِّ الْبَدَلِ أَوْ بَعْضِهِ) صُورَتُهُ: ادَّعَى زَيْدٌ دَارًا مَثَلًا فِي يَدِ عَمْرٍو فَأَقَرَّ عَمْرٌو وَصَالَحَ زَيْدًا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ الْمِائَةُ فِي يَدِ زَيْدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute