الْمُكَاتَبُ عَنْ وَفَاءٍ فَأُدِّيَتْ الْكِتَابَةُ أَوْ عَنْ وَلَدِ فَأَدَّاهَا، أَمَّا إذَا مَاتَ لَا عَنْ وَفَاءٍ أَوْ لَا عَنْ وَلَدٍ فَاخْتَلَفُوا فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ قَالَ الْإِسْكَافُ تَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ إنْسَانٌ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَا تَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَقْضِ بِعَجْزِهِ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ بِهِ إنْسَانٌ عَنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ جَازَ وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ.
(وَلَوْ جَنَى عَبْدٌ فَكَاتَبَهُ سَيِّدُهُ) حَالَ كَوْنِهِ (جَاهِلًا بِجِنَايَتِهِ فَعَجَزَ) الْعَبْدُ عَنْ الْكِتَابَةِ فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ (دَفَعَ) الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (أَوْ فَدَى) الْعَبْدَ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجَبُ لِجِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ حَتَّى يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ جَاهِلًا لَكِنَّ الْكِتَابَةَ مَانِعَةٌ لِلدَّفْعِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ.
(وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ جَنَى الْمُكَاتَبُ فَعَجَزَ) مِنْ الْكِتَابَةِ (قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ صَارَ قِنًّا، وَحُكْمُ جِنَايَةِ الْقِنِّ يُخَيَّرُ فِيهِ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ
(وَلَوْ) عَجَزَ (بَعْدَمَا قَضَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُكَاتَبِ (بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ فَعَجَزَ (فَهُوَ) أَيْ مُوجَبُ الْجِنَايَةِ (دَيْنٌ) عَلَيْهِ (وَيُبَاعُ) الْعَبْدُ (فِيهِ) لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَتِهِ إلَى قِيمَتِهِ بِالْقَضَاءِ هَذَا عِنْدَنَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ وُجُوبُ الدَّفْعِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَهُوَ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ وَالزَّوَالِ فَيَكُونُ الْمَانِعُ مُتَرَدِّدًا فَلَمْ يَثْبُتْ الِانْتِقَالُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَى أَوْ بِالْمَوْتِ عَنْ الْوَفَاءِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ بِلَا تَوَقُّفٍ وَعِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ قَائِمٌ وَقْتَ وُقُوعِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ بِنَفْسِ الْوُقُوعِ جِنَايَةَ الْمُدَبَّرِ وَأَمِّ الْوَلَدِ.
وَفِي الدُّرَرِ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِجِنَايَةٍ خَطَأً لَزِمَتْهُ وَحُكِمَ بِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مُسْتَحِقَّةٌ فِي كَسْبِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِاكْتِسَابِهِ فَنَفَذَ إقْرَارُهُ كَالْحُرِّ وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ حَتَّى عَجَزَ بَطَلَتْ.
(وَلَا تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ) ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ وَالْعِتْقُ حَقٌّ لِلْمُكَاتِبِ وَكَذَا سَبَبُهُ حَقٌّ لَهُ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالدَّيْنِ وَالْأَجَلِ إذَا مَاتَ الطَّالِبُ (وَيُؤَدِّي) الْمُكَاتَبُ (الْبَدَلَ إلَى وَرَثَتِهِ) أَيْ إلَى وَرَثَةِ سَيِّدِهِ (عَلَى نُجُومِهِ) ؛ لِأَنَّ النُّجُومَ حَقُّهُ لِأَنَّهُ أَصْلٌ وَهُوَ الْحَقُّ الْمَطْلُوبُ فَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الطَّالِبِ كَالْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ هَذَا إذَا كَاتَبَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْمُكَاتَبَ (بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِي مَجْلِسٍ وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ (لَا يَنْفُذُ) عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ إذْ الْمُكَاتَبُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ كَمَا لَا يُمْلَكُ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ وَلَا تَسْقُطُ حِصَّتُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute