بَيْنَ السَّدَى (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْإِبْرَيْسَمِ سَوَاءٌ كَانَ مَغْلُوبًا أَوْ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا لِلْحَرِيرِ كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ يَعْنِي فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَلْبَسُونَ مِثْلَ هَذَا وَلِأَنَّ الثَّوْبَ يَصِيرُ بِالنَّسْجِ وَالنَّسْجُ بِاللَّحْمَةِ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ لِكَوْنِهَا عِلَّةً قَرِيبَةً فَيُضَافُ الْحُكْمُ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةُ إلَيْهَا دُونَ السَّدَى فَيَكُونُ الْعِبْرَةُ لِمَا يَظْهَرُ دُونَ مَا يَخْفَى وَقِيلَ لَا يَلْبَسُ إلَّا إذَا غَلَبَ اللُّحْمَةُ عَلَى الْحَرِيرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ (وَعَكْسُهُ) أَيْ مَا لُحْمَتُهُ إبْرَيْسَمٌ وَسَدَاهُ غَيْرُهُ (لَا يُلْبَسُ إلَّا فِي الْحَرْبِ) لَا فِي غَيْرِهِ وَهَذَا أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ لِلضَّرُورَةِ.
(وَيُكْرَهُ لُبْسُ خَالِصِهِ) أَيْ الْحَرِيرِ فِيهَا أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَخَّصَ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَضَرَّةِ السِّلَاحِ وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ لِبَرِيقِهِ وَلَهُ إطْلَاقُ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالضَّرُورَةُ انْدَفَعَتْ بِالْمَخْلُوطِ الَّذِي لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْخَالِصِ مِنْهُ.
وَفِي الْمِنَحِ هَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ صَفِيقًا يَحْصُلُ بِهِ اتِّقَاءُ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الِاتِّقَاءُ فَإِنَّ لُبْسَهُ لَا يَحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْفِرَاءِ كُلِّهَا مِنْ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ وَالذَّكِيَّةِ وَكَذَلِكَ الصُّوفِ وَالْوَبَرِ وَاللِّبَدِ؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةٌ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَكْرَهُ ثَوْبَ الْقَزِّ يَكُونُ بَيْنَ الْفَرْوِ وَالظِّهَارَةِ وَلَا أَرَى بِحَشْوِ الْقَزِّ بَأْسًا؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مَلْبُوسٌ وَالْحَشْوَ غَيْرُ مَلْبُوسٍ.
(وَيَجُوزُ لِلنِّسَاءِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا) يَجُوزُ (لِلرِّجَالِ) أَمَّا بِالذَّهَبِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَأَمَّا بِالْفِضَّةِ فَلِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الذَّهَبِ فِي التَّزَيُّنِ وَوُقُوعُ التَّفَاخُرِ بِهَا (إلَّا الْخَاتَمَ) عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ الرِّجَالِ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ فَصَّانِ أَوْ أَكْثَرُ فَحَرَامٌ (وَالْمِنْطَقَةَ وَحِلْيَةَ السَّيْفِ مِنْ الْفِضَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّمُوذَجِ وَالْفِضَّةُ أَغْنَتْ عَنْ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَقَدْ وَرَدَ آثَارٌ فِي جَوَازِ التَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ وَكَانَ «النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ» ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إلَى أَنْ وَقَعَ مِنْ يَدِهِ فِي الْبِئْرِ فَأَنْفَقَ مَالًا عَظِيمًا فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ وَقَالُوا إنْ قَصَدَ بِالتَّخَتُّمِ التَّجَبُّرَ فَمَكْرُوهٌ.
وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute