لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْوُضُوءِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَدَاخِلُ الْأَنْفِ وَالْفَمِ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ اسْمٌ لِمَا يُوَاجَهُ إلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ تَطْهِيرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِالْمُبَالَغَةِ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ
وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ فَإِنْ تَرَكَهُمَا أَثِمَ عَلَى الصَّحِيحِ، قِيلَ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكٍ لِوَاجِبٍ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ لِمَا قَالُوا: أَنَّ السُّنَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ، وَدَلِيلُ سُنِّيَّتِهِمَا الْمُوَاظَبَةُ مَعَ التَّرْكِ أَحْيَانَا انْتَهَى هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ آنِفًا فِي تَفْسِيرِ السُّنَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُوَاظَبَةُ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ، فَهِيَ دَلِيلُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَيْسَتْ غَسْلَ الْفَمِ، وَكَذَا الِاسْتِنْشَاقُ لَيْسَ غَسْلَ الْأَنْفِ بَلْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إدَارَةِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَذْبِ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْجَنَائِزِ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فَمَنْ بَدَّلَهُمَا بِغَسْلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ لَمْ يُصِبْ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَسْلَ الْفَمِ وَغَسْلَ الْأَنْفِ غَيْرُ مُجَرَّدِ حُصُولِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، وَغَيْرُ مُجَرَّدِ حُصُولِ الْمَاءِ فِي الْأَنْفِ بَلْ لَا يُمْكِنُ غَسْلُ الْفَمِ إلَّا بِإِدَارَةِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، وَلَا يُمْكِنُ غَسْلُ الْأَنْفِ إلَّا بِجَذْبِ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إلَى الْأَنْفِ فَيَلْزَمُ لِإِدَارَةِ الْمَاءِ غَسْلُ الْفَمِ وَلِجَذْبِ الْمَاءِ إلَى الْأَنْفِ غَسْلُ الْأَنْفِ انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ اسْتِلْزَامَ غَسْلِ الْفَمِ لِإِدَارَةِ الْمَاءِ بَلْ يُمْكِنُ غَسْلُ الْفَمِ بِدُونِ الْإِدَارَةِ وَلَئِنْ سُلِّمَ فَلَفْظُ الْمَضْمَضَةِ حَقِيقَةٌ فِي إدَارَةِ الْمَاءِ وَاسْتِعْمَالُ غَيْرِ الْفَمِ لِإِدَارَةِ الْمَاءِ مَجَازٌ فَبَيَانُهُ بِالْحَقِيقِيِّ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ.
(وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ وَالْأَصَابِعِ هُوَ الْمُخْتَارُ) ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِوُجُودِ الصَّارِفِ، وَهُوَ عَدَمُ تَعْلِيمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَعْرَابِيَّ.
(وَقِيلَ هُوَ فِي اللِّحْيَةِ فَضِيلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَكُونُ لِإِكْمَالِ الْفَرْضِ مَحَلَّهُ، وَدَاخِلُ اللِّحْيَةِ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِإِقَامَةِ فَرْضِ الْغُسْلِ فَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَلَى الْفَضِيلَةِ
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ سُنَّتَانِ وَدَاخِلُ الْفَمِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ فِي الْوُضُوءِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ مِنْ الْوَجْهِ مِنْ وَجْهٍ؛ إذْ لَهُمَا حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ وَجْهٍ، وَالْوَجْهُ مَحَلُّ الْفَرْضِ.
(وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً أَيْ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مَرَّةً وَقَالَ هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» ، وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ الْجَوَازُ وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعِفُ اللَّهُ لَهُ الْأَجْرَ أَيْ غَسَلَ كُلَّ عُضْوٍ مَرَّتَيْنِ وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى، وَظَلَمَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: رَتَّبَ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَعِيدًا، وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلٍ، وَهُوَ مَنْ زَادَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute